Translate

الاثنين، 28 يناير 2013

الحكم الإسلامي مدني لا عسكري



لقد جسد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم مدى مدنية الحكم في الإسلام , وأن العسكر ما هم إلا موضع خدمة للشعب والأمة والسلطة الشرعية وليس من الصحيح أن قائد الجيش بقوته وسلطانه يمكن أن يكون رئيساً للدولة عبر قوة السلاح  وفي قصة عزل عمر بن الخطاب للقائد العسكري للمسلمين خلد بن الوليد , ما يدل على ماذهبت إليه وقد ذكرت في كتابي عن عمر الخطاب رضي الله عنه اسباب عزل خالد وملخصها.
أ- حماية التوحيد:
ففي قول عمر رضي الله عنه: ولكن الناس فتنوا به , فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به, يظهر خشية عمر من فتنة الناس بخالد وظنهم أن النصر يسير في ركابه, فيضعف اليقين بأن النصر من عند الله سواء كان خالد على رأس الجيوش أم لا وهذا الوازع يتفق مع حرص عمر على صبغ إدارته للدولة العقائدية الخالصة وبخاصة وهي تحارب أعدائها حرباً ضروساً متطاولة باسم العقيدة وقوتها, وقد يقود الافتتان بقائد كبير مثل خالد نفسه إلى الافتتان بالرعية وأن يرى نفسه يوما في مركز قوة لا يرتقي إليها أحد, وبخاصة أنه عبقري حرب ومنفق أموال, فيجر عليه وعلى الدولة أمر خُسْر, وهو إن كان احتمالاً بعيداً في ظل ارتباط الناس بخليفتهم عمر وإعجابهم به, وفي ظل انضباط خالد العسكري وتقواه, فقد يحدث يوماً ما بعد عمر, ومع قائد كخالد, مما يستدعي التأصيل لها من الخوف من قائد صغير لم يُبْلِ أحسن البلاء ولم تتساير بذكره الأنباء .
وقد أشار شاعر النيل حافظ إبراهيم إلى تخوف عمر فقال في عمريته في الديوان:
وقيل خالفت يا فاروق صاحبنا ... فيه وقد كان أعطى القوس باريها
فقال خفت افتتان المسلمين به ... وفتنة النفس أعيت من يداويها
ب- اختلاف النظر في صرف المال:
كان عمر يرى أن فترة تأليف القلوب وإغراء ضعفاء العقيدة بالمال والعطاء قد انتهت, وصار الإسلام في غير حاجة إلى هؤلاء, وأنه يجب أن يوكل الناس إلى إيمانهم وضمائرهم حتى تؤدي التربية الإسلامية رسالتها في تخريج نماذج كاملة.
لمدى تغلغل الإيمان في القلوب بينما يرى خالد أن ممن معه من ذوي البأس و المجاهدين في ميدانه ما لم تخلص نيتهم لمحض ثواب الله وأن أمثال هؤلاء في حاجة إلى ما يقوي عزيمتهم ويثير حماستهم من هذا المال  , كما أن عمر رضي الله عنه كان يرى أن ضعفة المهاجرين أحق بالمال من غيرهم, فعندما اعتذر إلى الناس بالجابية من عزل خالد قال أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفه المهاجرين فأعطاه ذا البأس  , ولا شك أن عمر وخالداً مجتهدان فيما ذهبا  إليه ولكن عمر أدرك أموراً لم يدركها خالد رضي الله عنه.
ج- اختلاف منهج عمر من منهج خالد في السياسة العامة:
فقد كان عمر يصر على أن يستأذن الولاة منه في كل صغيرة وكبيرة, بينما يرى خالد أن من حقه أن يُعطى الحرية كاملة من غير الرجوع لأحد في الميدان الجهادي وتطلق يده في كل التصرفات إيماناً منه بأن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب ولعل من الأسباب أيضاً, إفساح المجال لطلائع جديدة من القيادات حتى تتوفر في المسلمين نماذج كثيرة من أمثال خالد والمثنى وعمرو بن العاص, ثم ليدرك الناس أن النصر ليس رهنا برجل واحد  , مهما كان هذا الرجل .
س- موقف المجتمع الإسلامي من قرار العزل:
تلقى المجتمع الإسلامي قرار العزل بالتسليم لحق الخليفة في التولية والعزل, فلم يخرج أحد من مقتضى النظام والطاعة والإقرار للخلافة بحقها في التولية والعزل  , فأختيار الأمة لعمر بن الخطاب, كخليفة أعطته حق العزل للقادة الكبار, وأن العسكر ما هم إلا بتصرف من السلطة الشرعية.
والشورى لا تنمو في ظل أنظمة عسكرية أو انقلابية, أو ديمقراطية الانقلابات والتي آمنت أن السيف هو الطريق للحكم , فهذا معاوية بن يزيد ((41 _ 64هـ)) المكنى, بأبي ليلى, بُويع بعد وفاة أبيه , ومكث في الحكم أربعين يوماً , يقول للناس لما قرب أجله , فإني ضعفت عن أمركم, فابتغيت لكم مثل عمر بن الخطاب , حين استخلفه أبوبكر, فلم أجد, فابتغيت ستة مثل ستة الشورى, فلم أجد, فأنتم أولى بأمركم, فأختاروا له من أحببتم , وفيه يقول الشاعر:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها
فالملك بعد أبي ليل لمن غلبا
وكما ذكر التاريخ, وقعت معارك دامية بين الأمويين وحلفائهم, حتى انتقل الحكم إلى المروانيين من بني أميه ولابد قبل المطالبة بالشورى أو الديمقراطية أن تكون هناك حركة اجتماعية تغييرية , أو ما يسمى بالتحول الاجتماعي نحو تقبل الشورى والديمقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق