Translate

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

مصادر الدستور في الإسلام، القرآن الكريم هو المصدر الرئيسي للتشريع


مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية تختلف عنها في القانون الوضعي، فمصدر الأحكام في الشريعة هو الوحي المتمثل في القرآن والسنة، وبقية المصادر تابعة للوحي، أما مصادر القانون الوضعي فهي بشرية ومرتكزة على نتاج الفكر البشري المجرد.
وقد اختلف الباحثون المسلمون في مصادر الدستور في الإسلام على آراء ثلاثة هي:
1 - أن هذه المصادر هي مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية.
2 - أن هذه المصادر هي القرآن، ثم السنة "وفق شروط معينة، ثم التشريع الصادر من أولي الأمر في إطار الشريعة الإسلامية، دون غيرها من المصادر.

3 - أن هذه المصادر هي مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية مضافا إليها المصادر المأخوذ بها في القانون الوضعي ولكن وفق الشريعة الإسلامية .
وسوف نتحدث هنا عن كل مصدر من هذه المصادر على حدة، ونبين رأي العلماء والرأي الراجح في كل مصدر.
أولا: القرآن الكريم: يتفق علماء القانون الدستوري الذين تكلموا في مصادر الدستور في الإسلام على أن القرآن الكريم هو المصدر الرئيس والأول للدستور، وأنه جاء فيما يتعلق بالأمور الدستورية بأحكام كلية ومبادئ أساسية، فأغلب ما ورد في القرآن الكريم من أحكام إنما هو أحكام كلية وقواعد عامة تجب مراعاتها في القضاء والاعتماد عليها في الاجتهاد، فلم يتعرض القرآن للتفصيلات أو الجزئيات في الأحكام الشرعية المتصلة بالقوانين؛ لاختلافها باختلاف البيئات وتغيرها بتغير المصالح، تاركا التفصيل في الجزئيات إلى السنة النبوية، والاجتهاد وفق ما تستدعيه المصلحة .
وهذه الأحكام والقواعد الكلية الواردة في القرآن الكريم هي أحكام وقواعد فوق أحكام وقواعد الدستور، وفق المعنى الفني للدستور، فهي قواعد وأحكام فوق دستورية تلتزم السلطة التأسيسية التي تضع الدستور في كل دولة إسلامية باحترامها، فالدستور قابل للتعديل والتغيير وأحكام القرآن الكريم ليست كذلك .
- الآيات الدستورية في القرآن: قررت النصوص القرآنية مبادئ أساسية يقوم عليها كل نظام دستوري عادل وهي الشورى والعدل والمساواة  وتطرقت بعض الآيات القرآنية لأحكام دستورية معينة، مما يعتبر من المسائل المهمة التي يرجع إليها عند وضع دستور إسلامي.
ونذكر فيما يلي بعض هذه الآيات وما قررته في المجال الدستوري:
1 - الآيات المقررة لضرورة الشورى، مثل قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] .
2 - الآيات المقررة لمبدأ العدل، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] 

3 - الآيات المقررة لمبدأ المساواة، مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] .
4 - الآيات المقررة لضرورة الحكم بما أنزل الله، مثل قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]  .
5 - الآيات المقررة لنظام القضاء والتقاضي بين الناس، وأنهم سواء أمام ساحة القضاء، مثل قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8]  .
6 - الآيات المتضمنة أحكاما للسلم والحرب، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] وقوله: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36] .
7 - الآيات المتضمنة حقوق الأمة على الحاكم، مثل قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]  .
8 - الآيات المتضمنة لحقوق الحاكم على الأمة، مثل قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
9 - الآيات المتضمنة لحق الحياة، مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] 

10 - الآيات المتضمنة للالتزام بالمعاهدات والوفاء بها، مثل قوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72] .
11 - الآيات المتضمنة حق إبداء الرأي، مثل قوله تعالى: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71]  وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: 1] ) الآية  .
12 - الآيات المتضمنة لحق الملكية، مثل قوله تعالى: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] .
13 - الآيات المقررة لحرمة المسكن، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27]  .
14 - الآيات المقررة لحق التكريم للإنسان، والذي تنفرد بذكره صراحة الشريعة الإسلامية، مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] .
15 - الآيات المقررة لصيانة الأموال العامة، مثل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]  .
16 - الآيات المقررة لقاعدة الولاء والبراء في الإسلام، وهي ما تقابل في مصطلح الفقه المعاصر الخيانة العظمى مع الاختلاف في المنطلق والأساس، وذلك مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] .
17 - الآيات المقررة لعدم المساس بأمن المحايدين، مثل قوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90]  .
18 - الآيات المقررة لحسن الجوار، مثل قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]  .
19 - الآيات المقررة لرابطة الإنسانية وأنها فوق اعتبار الجنس والنوع، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]  .
مما تقدم يتضح أن القرآن قد تضمن مسائل دستورية مهمة، ولكن يجب أن يلاحظ أن الآيات السابق ذكرها ليس المراد من إيرادها الحصر بل التمثيل، وإلا فإن من الممكن استخراج مسائل دستورية أخرى من القرآن الكريم  .
أما فيما يتعلق بالأمور المنظمة للشورى، والمحققة للعدل والمساواة وغيرها من تفاصيل الأحكام الدستورية فمتروك لأولي الأمر؛ ليفرعوا ويفصلوا حسب مقتضيات الحال ومصالح الناس دون أن يصطدموا بحكم تفصيلي شرعه القرآن، مراعين في ذلك تلك الأحكام الكلية، والنصوص الدالة على رفع الحرج، والدالة على إيجاب الوفاء بالعهد، والنصوص التي دلت على أن الأصل في الأشياء الإباحة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق