Translate

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

المصدر الثاني للتشريع السنة النبوية


ثانيا: السنة النبوية: تعتبر السنة مصدرا رئيسا من مصادر التشريع، وهي المصدر الثاني للتشريع بالاتفاق، وفي مجال الدستور فإن علماء القانون الدستوري المسلمين المعاصرين متفقون على أن السنة مصدر رئيس للتشريع الدستوري الإسلامي، كما اتفقوا في شأن القرآن، ولكن الاختلاف بينهم في شروط معينة يراها البعض، ويعترض عليها البعض الآخر.
فبعض الباحثين  في القانون الدستوري أن سنة الآحاد لا يجوز الأخذ بها في مجال الأحكام الدستورية للاعتبارات التالية:
1 - أهمية الأحكام الدستورية وخطورتها.
2 - أن سنة الآحاد غير يقينية.
3 - أنه ليس كل سنن الأحكام الدستورية تعد تشريعا عاما، بل إن هذه السنن بصفتها قاعدة عامة لا تعد تشريعا عاما.
وقد رد على الاعتبار الأول، ونوقش  بأن الأحكام الدستورية ليست إلا فرعا من فروع القانون العام، كبقية الفروع، وبالتالي لماذا يكون لها هذا التخصيص، فما هي إلا جزء من الأحكام العملية التي اتفق الفقهاء على العمل بما فيها، وهي ما تقابل مباحث الإمامة، وأنها عند علماء أهل السنة من أحكام الفروع، ولا يرتفع بها إلى مرتبة الأصول سوى غلاة الشيعة وبالتالي فلا مجال لعدم الأخذ بسنة الآحاد في المسائل الدستورية وأحكامها التي لا شك في أهميتها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعمل خبر الآحاد فيما لا يقل خطورة عن تلك الأحكام وذلك مثل إرسال مبعوثين ورسلا إلى الدول المجاورة، وهم آحاد مما قد يترتب عليه سلم أو حرب، بل إن الله تعالى أرسل رسله إلى الناس آحادا .

أما فيما يتعلق بالاعتبار الثاني وهو عدم يقينيتها، فإن هذا الشرط لم يشترطه أحد من الفقهاء في أحكام الفروع، ثم إن عدم شهرة سنن الآحاد لا يعتبر دليلا على عدم صحتها، فلا علاقة بين الصحة والشهرة .
وتقسيم العلماء للسنة إلى متواترة تفيد اليقين، وآحاد تفيد الظن الراجح اعتبار أصولي لا صلة له باعتبارها أساسا لابتناء الأحكام الشرعية .
أما فيما يتعلق بالاعتبار الثالث، وهو أنه لا يمكن اعتبار سنن الأحكام الدستورية تشريعا عاما أو قاعدة عامة، فإنه كلام غير مسلم به على إطلاقه، فسنن الأحكام الدستورية تحتوي على تشريعات كلية وعامة وأخرى تفصيلية ووقتية، فالسنة النبوية تضمنت مبادئ دستورية شرعها الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بماله من صفة النبوة والتبليغ، وهذا مما يعتبر تشريعا كليا.

ثم أنه وردت نصوص السنة في الراعي والرعية، والبيعة والإمارة والطاعة للأمير، وكذلك في السنة تشريعات لحقوق الحاكم والأفراد ومسؤولياتهم، وكذلك السلم، والحرب، والمعاهدات، والقضاء، والشورى، ومركز الأقليات الدينية، مما يؤكد أن السنة تحوي قدرا كبيرا من المسائل الدستورية التي لها أهمية كبرى في مجال الدستور في النظام الإسلامي، وهذه السنة معتبرة إذا توافرت فيها شروط الصحة، سواء كانت متواترة أو مشهورة أو آحادا .
والحقيقة أن سنة الآحاد متى صحت نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حسب الشروط التي وضعها علماء الحديث فإنها تكون مستندا ومصدرا للأحكام الشرعية، لا فرق بين الدستوري منها وغيره، لأن الصحيح أن خبر الواحد إذا توافرت فيه شروط الصحة فهو حجة في العقائد والأحكام من غير تفريق بينهما، والعمل به على مقتضى الحكم الشرعي الذي يدل عليه، لأنه يفيد اليقين، وقيل: لا يفيد اليقين إلا إن احتفت به قرائن دالة على صدقة مثل أن يرويه الشيخان البخاري ومسلم  .
فالسنة هي المصدر الثاني بعد كتاب الله للدستور، في النظام الإسلامي، ثم إن تقسيم العلماء للسنن إلى عامة وغير عامة يجب ألا يحمل ما لا يحتمل بأن توضع أغلب الأحاديث والسنن في قالب التشريع الوقتي، الأمر الذي يؤدي إلى رفض السنة بشكل غير مباشر.
وبهذا يتبين ضعف الرأي القائل بأن سنة الآحاد لا تؤخذ في مجال الأحكام الدستورية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق