Translate

الأربعاء، 16 يناير 2013

فوائد الشورى


إن التعريف الاصطلاحي للشورى: رجوع الحاكم أو القاضي أو آحاد المكلفين في أمر لم يُستَبن حكمه بنص قرآني أو سنة أو ثبوت إجماع إلى من يُرجى منهم معرفته بالدلائل الاجتهادية من العلماء المجتهدين ومن قد ينضم إليهم في ذلك من أولي الدراية والاختصاص.
وهكذا فإن الشورى في الاصطلاح الذي يقضي به الإسلام يمكن أن تتسع لتُعبِّر عن: استخلاص الرأي الجامع من خلال الحوار الجامع, وهذا هو مطلوب الشورى, فإن لم يكن رأي جامع فرأي راجح لدى استصدار القرار, مما ينعقد عليه العمل الجامع لدى التطبيق والتنفيذ.
ومن فوائد الأخذ بالشورى أمور كثيرة منها:
1 - إصابة الحق في الغالب, فإن الآراء إذا عرضت بحرية تامة وأدلى كلٌّ بحجته, وكانت النية صحيحة والهدف هو الوصول إلى الحق, وقدمت المصلحة العامة, وتجرد المتشاورون عن الأهواء والدوافع السيئة مع التوكل على الله تعالى فلا أشك أن النتائج تكون سليمة والعواقب حميدة والتسديد والتوفيق يتنزل من الله تعالى, وهذا واضح فيما وقع في عهد الصحابة رضوان الله عليهم.
2 - أن العمل بالشورى قربة وطاعة لله عز وجل, ففيه اجتماع الرأي في تحصيل الخير, وتهذيب رأي صاحب الأمر مع الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى, ومما ورد في شأن ذلك ما قاله: بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
بحزم نصيح أو نصيحة حازم
3 ـ من أعظم فوائد الشورى تلاقح الأفكار, وتكامل الثقة, وتبادل الخبرة والاطلاع على ما عند الآخرين, والاستفادة من الخبرات المتنوعة وبعبارة أخرى حصول التكامل بين أفراد المجتمع.
4 - الشورى تعطي قوة للمجتمع في أكثر من مجال إنساني فعلى سبيل المجال النفسي, فأن الشورى طريق للتخلص من الظواهر المرضية غير الصحية, مثل قلة الإخلاص وضعف الأداء الوظيفي, وإهدار الطاقات المفيدة.
يقول الشعبي: الرجال ثلاثة, فرجل ونصف رجل ولاشيء فأما الرجل التام, فالذي له رأي وهو يستشير, وأما نصف الرجل, فالذي ليس له رأي , وهو يستشير وأما الذي لا شيء، فالذي ليس له رأي، ولا يستشير.
5 - الشورى تشعر المشاركين بالمسؤولية وأنهم مع المسؤول يسعون إلى تحقيق المصالح العامة, ودرء المفاسد في عملية تكاملية.
6 - الشورى تولد الثقة بين الحاكم والمحكوم وتطيب القلوب, وتجعل من رأي الخليفة أو الحاكم رأى جميع المسلمين بعد التشاور.
7 - في الشورى وقاية من الاستبداد وتزود الدولة بالكفاءات والقدرات المتميزة وبها تنحصر عيوب التفرد بالقرار.
8 - تضيق هوة الخلاف بين الراعي ورعيته الخلاف جائز الوقوع, ولكل واحد قناعته, ولكن مع مناقشة الآراء وتداولها وظهور الحق يرجع بعض المخالفين عن رأيه وينصاع إلى الحق, وتتقارب وجهات النظر ويعذر بعضهم بعضاً, ويتعاونون على ما اتفقوا عليه, ويتنازل البعض ويقضي على وساوس الشيطان, وتتآلف القلوب ويتوحد الرأي العام وتضعف حدة الخصوم والمنافسين.
9 - الشورى تفجر الطاقات الكامنة في أفراد الأمة, وتشجع ذوي الخبرات وتفسح المجال لكل من لديه خير للأمة أن يدلي برأيه وهو آمن فإن قبل فذاك, وإن رد فقد أدى ما عليه وأعذر ولا تمس كرامته ولا ينال منه.
ولا غنى لولي الأمر عن المشاورة, فإن الله أمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم وليقتدي به من بعده وليستخرج منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحرب والأمور الجزئية وغير ذلك, فغيره صلى الله عليه وسلم أولى بالمشاورة.
وينبني على هذه الشورى, طاعة الأمة للحاكم فيما يصدر عنه من القرارات تهم الصالح العام.
والشورى من قواعد الحكم في الإسلام وصفة من صفات المؤمنين سواء الحاكم أو المحكوم فقد وصف الله المؤمنين بقوله: "وأمرهم شورى بينهم" وبهذا ينقص الأيمان عند الراعي لعدم امتثاله "وشاورهم في الأمر" وعند الرعية كذلك, كما في تركها مجافاة للسنة والطريقة التي سار عليها أفضل الخلق والخلفاء الراشدين وأصحابه الميامين والقادة الفاتحين, وكبار المصلحين والعلماء الراسخين والدعاة المخلصين.
10 - مكافحه نزعات التطرف والعنف:
أن محصلة الاجتهاد الجماعي تقود إلى قرارات معتدلة في الغالب, فالتشدد لا يصدر إلا من أفراد ذوي دوافع ومنازع وعقد تحدوهم وتنزع بهم إلى اتخاذ قرارات متطرفة أو متعسفة أو مفارقة لخطة الحكمة والحسنى, ولكن تبادل الآراء الصادرة من أفراد كثر وأصحاب دوافع متباينة يتجه بالقرار إلى الاعتدال والواقعية في إطار ((فن الممكن والمفيد)) هذا إذا لم يصل بالناس إلى غاية المراد, كما تفسح الشورى مجالا خصبا لمناقشة آراء أهل التطرف والعنف الذيين يتصورون دائماً أن آراءهم هي الآراء النهاية في الموضوع, أي موضوع, ويعزفون بطبعهم عن التعرف على آراء الآخرين, ولكن بجرِّ هؤلاء إلى مجالات الشورى ومشاركة الآخرين لهم في الرأي تتضح لهم القيمة المرجوحة لأفكارهم التي يقدسونها، ولذلك فإن الشورى هي أجدى علاج لحماقات التطرف وشططه فيجب إعطاء ((الكل)) متنفساً لإبداء الفكر والرأي, حتى يختفي التشنج والشعور بالحرمان والكبت والاضطهاد ولذا يحسن البحث عن هذه الطائفة من الناس على الدوام وإعطاؤها حق القول مهما كان معيباً, فإخراج آرائهم إلى الضوء هو المقدمة الأولى لدحضها وهزيمتها, فإنها لا تعيش ولا تنتعش إلا في سراديب الظلام.
11 - تسديد النظر إلى المشكلة من زوايا متباينة:
إن إخضاع أي مشكلة للتداول الشوري الحر يمكّن أهل الشورى من رؤيتها من زوايا واتجاهات متباينة متقاطعة, وبذلك تنضاف الرؤى الجزئية بعضها إلى بعض, وتتضامُّ وتتكامل قدر الإمكان, وتتشكل في كُلِّ مرئي للجميع ثم تتنسق وتتوحد محاولات التحليل والتشخيص والإسهامات في اقتراح الحلول ولا يتاح ذلك إلا للجماعة المتوحدة لأن العقل الواحد مهما كان كبيراً نافذاً لا يستطيع أن يُلمَّ بجميع المعلومات المتعلقة بكل المشاكل التي يتعرض لها, ويفهمها, ويحللها ويشخصها, ويقترح الحلول المجدية في شأنها.
ولعل هذا ما عبر عنه بلغة مختلفة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب, رضي الله عنه, إذا قال: الرأي كالخيط السحيل, والرأيان كالخيطين المبرمين والثلاثة مرار ولا يكاد ينتقض.
وأورد الأمام الماوردي في هذا المعنى قوله: لم يزل أهل العقول يفزعون إلى الشورى في كل مايقع بينهم, ويمدحون فاعله, ويذمون المستبد برايه, والمرتكب لأهوائه, وقد قال فيه أحد الشعراء:
خليلي ليس الرأي في صدر واحدٍ ... أشيرا عليَّ اليوم ما تريان
وقال ابن قتيبة: وقرأت في كتاب للهند أن ملكاً استشار وزراء ً له, فقال أحدهم: الملك الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بموارده من الأنهار, وينال بالحزم والرأي مالا يناله بالقوة والجنود, والمستشير وإن كان أفضل رأيا من المشير, فإنه يزداد برأيه رأيا كما تزداد النار بالسليط ضوءاً .
12 - تكامل المعرفة النظرية والعملية:
في أحيان كثيرة يأتي امتياز الرأي من تماسِّه بالواقع المعاش، ويتفوق بتلك الميزة على الرأي النظري، وإن كان هذا الأخير صحيحاً في إطاره النظري، وحين يكتمل هذان الجانبان الركينان للعلم: الجانب النظري والجانب العملي، أو جانب فقه الأوراق وفقه الواقع، يأتي القرار أصوب ما يكون، وهنالك من أخبار الشورى في تاريخ الحضارة الإسلامية الكثيرة مما يكشف عن أن تكامل هذين الجانبين كان من أهم عوامل اتخاذ القرار الصحيح منها ـ على سبيل المثال ـ ما يرويه القلقشندي عن واقعة غزو المسلمين لصقلية فيقول: ان أحد أمرائها التجأ إلى دولة الأغالبة بتونس، وطلب منهم العون لرفع الحيف الذي لحق به من أمراء آخرين ببلاده، وجمع أمير بني الأغلب المسمى زيادة الله مجلس شوراه من فقهاء القيروان وقضاتها وأعيانها وبحثوا الأمر ملياً، ومال بعض أهل الفقه بمن فيهم الإمام سحنون إلى عدم مهاجمة صقلية لبعدها ولأن بينها وبين المسلمين هدنة وعهداً، بينما مال آخرون من أهل القضاء وفيهم القاضي أسد بن الفرات لاستقصاء الواقع، كما هو شأن القضاة دائماً، فأمر باستدعاء بعض رسل الصقليين واستنطقهم إن كان لدى حكومة صقلية أسرى من المسلمين فأقروا بذلك، فاتخذت تلك حجة على الصقليين لأن شروط الهدنة نصت على أن تمكن حكومة صقلية أسرى المسلمين من الرجوع إلى بلادهم إن أرادوا، فاتخذ حينها قرار الغزو.
فهذا يدل على الشورى هي التي مهدت إلى القرار الأصوب بجمعها بين الفقهين النظري والعملي على صعيد واحد، وهذا مجرد مثال من أمثلة كثيرة لتفعيل الشورى في فقه الرأي وفقه الواقع معاً في تاريخ حضارتنا الإسلامية التليدة.
13 - تجاوز الخطوب التي تشل التفكير الفردي:
وتتجلى فضائل الشورى في وقت الخطوب والكروب التي تلحق بالأمم، وتكاد تعصف بها عصفاً فيقف الناس منها ثلاث مواقف متباينة، فمن الناس من يهزمهم الخوف ويشل قدراتهم على التفكير والتحليل واتخاذ القرار، إي قرار، ومنهم من يثير الخوف مشاعرهم باتجاه التحدي وإثبات الذات والاندفاع الأهوج في المواجهة، فيميلون إلى اتخاذ الحلول القصوى في ذلك الاتجاه، ومنهم من يدعوهم الخوف إلى التراجع والتهادن وربما الاستسلام فيقبلون بالدنية من دينهم ودنياهم معاً.
فهذه أصناف ثلاث من المواقف تجلب خلل الرأي وتقود إلى أسوأ العواقب، ولكن اجتماع الناس بمختلف توجهاتهم على صعيد واحد في أوقات المحن والدواهي يؤدي إلى تعادل المواقف والوصول إلى الرأي الأصوب قدر الإمكان.
هذه من أهم فوائد الشورى التي ذكرها العلماء.

هناك 8 تعليقات: