Translate

الجمعة، 21 ديسمبر 2012

أساليب نشأة الدساتير في الإسلام ونهايتها


ثالثا: أساليب نشأة الدساتير في الإسلام ونهايتها: 1 - أساليب نشأة الدساتير في الإسلام: سبق الكلام في الباب الأول حول أساليب نشأة الدساتير، حيث يحدد علماء الفقه الدستوري المعاصر عدة أساليب لنشأة الدساتير التي حصروها في:
أ - أسلوب المنحة.
ب - أسلوب التعاقد.
جـ - أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة.
د - أسلوب الاستفتاء التأسيس.
وقد رجحت الرأي القائل بأن حصر أساليب نشأة الدستور أمر غير مسلّم وأن كل أسلوب من الأساليب المذكورة يمثل الأسلوب الذي اتبع في مرحله معينة لها ظروفها التي أدت إلى وجود هذا الأسلوب، وأنه قد تستجد أساليب جديدة وفق ظروف معينة، إضافة إلى أن الأساليب المذكورة تمثل ما تم اتباعه في ظل الأنظمة الغربية التي هي نتيجة لثقافة وظروف وتاريخ تلك الأنظمة، وأنه قد تتبع أساليب أخرى بالنسبة للنظام الإسلامي؛ وذلك لاختلاف الظروف الحضارية والتاريخية لهذا النظام عن النظم الغربية المعاصرة.
ومن الباحثين في الفقه الدستوري الإسلامي من حدد أساليب أو أسلوبا معينا لنشوء الدستور في الدولة الإسلامية، كأسلوب المنحة وأسلوب التعاقد، أو أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة، وهذا أمر غير مسلم به كذلك؛ لأنه قد تستجد أساليب أخرى بتغير الظروف، ثم إن اختيار أسلوب من الأساليب المتبعة في الأنظمة الغربية، وتحديده أسلوبا لنشوء الدستور في النظام الإسلامي أمر غير مقبول؛ لأن النظام الإسلامي متميز عن ما سواه من الأنظمة الوضعية، وإن وافق في شيء من الجزئيات بعض هذه الأنظمة، فذلك لا يعني أن يصبغ النظام الإسلامي بصبغة هذه الأنظمة، فهو نظام له خصوصيته واستقلاليته. فالدستور في ظل النظام الإسلامي قد ينشأ بأسلوب مشابه شكلا لأحد الأساليب المستخدمة في الأنظمة الغربية، أو بأسلوب مختلف ومعايير لجميع تلك الأساليب، فالباحث في هذا المجال يجب أن يتحرر من إلزام نفسه باتباع المنهج الغربي التقليدي لتميز النظام الإسلامي في هذا المجال عن غيره من الأنظمة، فنشأة الدستور في النظام الإسلامي مرتبطة بالشرعية الإسلامية وأحكامها، فمن المعروف أن الأحكام الدستورية الثابتة ليست منحة من البشر، وليست كذلك مجالا للمناقشة بقبولها أو رفضها سواء من الحكومات، أو من الشعوب فهي ملزمة للجميع، فمعروف أن السيادة في الإسلام لله وحده وليست للحكومة أو للشعب كما في بعض النظم، وبالتالي فالدولة تتقيد في سيادتها الداخلية والخارجية بالإسلام ولا تخرج على أحكامه، فأحكام الإسلام لها السيادة المطلقة، والأحكام الدستورية المتغيرة التي قد تدون فيما يسمى بوثيقة الدستور هي التي يكون المجال لنشوئها متروكا للأسلوب الذي يوافق ظروف الدولة الإسلامية وقت نشوء هذا الدستور الذي لا يخرج بحال عن أحكام الإسلام ولا يخالفها، وبالتالي فإن مسألة موافقة الحاكم أو الشعب على الدستور في ظل النظام الإسلامي مسألة نسبية، فالحكم المطلق والتشريع المطلق في الإسلام لله وحده، وإنما يكون اختيار الناس وموافقتهم فيما لم يرد فيه نص قاطع وما كان محلا للاجتهاد من أهل الاجتهاد كل في تخصصه حسب الوقائع فلكل واقعة تتطلب الاجتهاد وأهلها؛ فينبغي التفريق هنا بين تحرير الواقعة التي يؤخذ فيهما رأي ذوي الخبرة من ساسة واقتصاديين ومهندسين وأطباء، أو عامة مستفيدين مما كان منفعته عامة، وبين ما كان اجتهادا في إظهار الحكم الشرعي وليس ذلك إلا لذوي العلم بالشريعة من أفراد تكمل بهم أداة الاجتهاد تفسيرا وحديثا وفقها وأصولا ولغة وبلاغة. إذن فنشأة الدستور في الدولة الإسلامية مرتبطة بالتزام المجتمع، والدولة بالإسلام عقيدة وشريعة، ثم إن بيعة الناس للحاكم ملزمة للطرفين بالتحاكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن الدولة المسلمة ملزمة بالدستور الإسلامي، ولا يتصور وجود حاكم مسلم أو دولة مسلمة غير ملتزمة بهذا الدستور.
فنشأة الدستور بالمعنى المتعارف عليه لدى فقهاء القانون غير وارد في النظام الإسلامي؛ لأن الأحكام الدستورية الثابتة موجودة أصلا ولا داعي لإنشائها، أما الأحكام المتغيرة فمردها إلى المجتهدين من العلماء المسلمين، وإن كان هناك تشابه بين أسلوب نشوء - هذه الأحكام المتغيرة، وأحد الأساليب المتعارف عليها لدى الفقهاء القانونيين فهذه المشابهة شكلية فقط.
2 - أساليب نهاية الدساتير في الإسلام: ذكر في الباب الأول الأساليب التي ينتهي بها الدستور عادة، وفقا للفقه الدستوري الوضعي وهي:
أ - الأسلوب السلمي.
ب - الأسلوب غير العادي.
جـ - أسلوب العرف.
والنظام الدستوري الإسلامي يختلف عن النظم الوضعية، ذلك لأن جزءا من أحكامه وحي، والوحي غير قابل للتعديل والإنهاء من البشر. أما الجزء الآخر من أحكامه والتي قد تقنن، بناء على الاجتهاد والمصلحة في الدولة الإسلامية، فهذا يرجع لما يتفق عليه أهل الرأي حول إنهاء الدستور أو بعض أحكامه، فقد تنهى عن طريق الأسلوب الذي وضعت به، أو أي أسلوب يضمن عدم انتهاك حقوق الأفراد.
وهو ما يشبه إلى حد ما الأسلوب السلمي، أو قد تنهى بعض أحكام الدستور بسبب تقادمها وعدم إمكانية تطبيقها فتهمل، أو ينشأ حكم جديد يتعارف عليه يكون ملغيا لحكم غير مبني على حكم شرعي ثابت، بشرط أن لا يكون في إلغائه ضرر، وأن لا يكون الحكم الجديد مخالفا لأحكام الشرع.
أما ما اصطلح عليه في الفقه الوضعي بالأسلوب غير العادي أو الأسلوب الثوري ومقتضاه أن توجد ظروف وأوضاع تؤدي إلى إلغاء الدستور أو تعطيله فهذا لا يوجد نظيره في الإسلام فيما يتعلق بالدستور بمعناه الثابت أو العام؛ لأن المسلمين ملتزمون بدستورهم بحكم إيمانهم وعقيدتهم، وتطبيق الدستور دين ملتزمون به، أما فيما يتعلق بالدستور بمعناه الخاص أو الفني فالأمر فيه راجع لأهل الحل والعقد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق