Translate

السبت، 26 يناير 2013

أهل الشورى وصفاتهم


توارد عند الفقهاء وعلماء السياسة الشرعية مفهوم أهل الشورى أو أهل الاختيار أو أهل الحل والعقد وإن كانت الأخيرة أكثر تداولاً واستعمالا عندهم ولكن عند التدقيق نرى أن كل هذه المفاهيم تستعمل في وظيفة واحدة وهي الدعامة الأساسية لولاة الأمور.
إن أهل الشورى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والراشدين فيما بعد هم كبار الصحابة الذين كانوا يمثلون أقوامهم ويُحظون بثقتهم وهؤلاء كانوا يكونون مايشبه مجلساً للشورى , وقد شمل هذا المجلس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كبار السابقين الأولين من الذين امتحنوا وجُربوا فحازوا الثقة العامة , ثم بعد الهجرة أضيف إليهم زعماء الأنصار , ثم برز في عهد الراشدين عنصران آخران , وهما عنصر من الذين قاموا بأعمال جليلة في الشؤون العامة وفي الدعوة إلى الدين , وعنصر من الذين نالوا شهرة عظيمة بين الناس من حيث علم القرآن والفقة في الدين وهؤلاء كانوا يستشارون في المسائل العامة , ولكن إلى جانب هذا كان هناك بعض المسائل التي تهم الناس مباشرة، وهذه لا بد من معرفة رأي جمهور الحاضرين وقت المشاورة، وهناك مسائل أكثر عمومية تعرض على جمهور الأمة كافة ونستطيع أن نميز في هذه المرحلة ثلاث درجات من الشورى.
ـ مسائل فنية خالصة، يؤخذ فيها برأي الفنيين.
ـ مسائل تشريعية عامة، يؤخذ فيها برأي أهل الشورى المكون من كبار القوم الممثلين لهم، وهؤلاء هم الذين يسمون أهل الشورى.
ـ مسائل أكثر عمومية وشمولاً، كاختيار الحاكم وإعلان الحرب وغير ذلك من القضايا العامة التي تحتاج إلى معرفة رأي الناس جميعاً، وهذه لا بد فيها من معرفة رأي الكافة عن طريق استفتاء عام.
إن المراد بأهل الشورى الآن، من تجب استشارتهم، ويكونون مؤهلين بصفاتهم وشروطهم، أو معينين بأشخاصهم وأسمائهم، أي الذين يجب أن يستشيرهم المسؤولون وولاة الشؤون العامة وأبرز ما يتبادر إلى الذهن في هذا المقام هو ((مجلس الشورى)) الذي يكون بجانب رئيس الدولة وحكومته، أي ما يعرف في تراثنا الإسلامي بأهل الحل والعقد، ويدخل في هذا الباب كل الهيئات الشورية العليا، التي تحتاج إلى مستشارين كبار، وبغض النظر عن اختلاف الأسماء وتفاوت الصلاحيات لهذه المجالس من بلد لآخر، ومن مجلس، لآخر، فقد أصبحت هذه المجالس من المؤسسات الرئيسية القائمة في معظم دول العالم، وأيضاً قي معظم الدول الإسلامية.
وبجانب هذه المجالس الرئيسية العامة لا تستغنى دولة عن مجالس ومؤسسات شورية تقريرية أخرى، تكون أضيق مجالاً وأكثر اختصاصاً وربما تكون أسرع انعقاداً أو حسماً في الأمور.
فمن هم هؤلاء المستشارون الكبار الذين يحق لهم أن يكونوا في مثل هذه المجالس؟ وما هي صفاتهم وشروطهم؟ ومما لا شك فيه أن هذه المسألة متروكة للنظر والتقدير وضبط المعايير بحسب الحالات والظروف، وطبيعة المجالس والاختصاصات المنوطة بها، غير أن هذا لا ينفي وجود صفات وشروط عامة لا بد من توفرها ومراعاتها فيمن يتولون النظر والتشاور والبث في القضايا العامة للأمة والمجتمع.
ومن هذه الصفات المحبذة في مثل هذه المواضع، الفطنة والذكاء والأمانة والصدق والابتعاد عن التحاسد والتنافس، وإزالة العداوة والشحناء مع الناس، وألا يكونوا من أهل الأهواء وأن يكونوا من رجال الدولة المشهود لهم بالصلاح والخير والحكمة، وقد فصل علماء السياسة الشرعية وفقهاء الإسلام في صفات وشروط أهل الشورى بطريقة التدقيق والاستقصاء والتشعيب إلا أن العلامة المقاصدي الكبير الدكتور أحمد الريسوني أرجع هذه الشروط وغيرها إلى أصول جامعة أهمها: العلم والأمانة والخبرة.
أ ـ فالعلم يدخل فيه أولاً العلم بالدين، باعتباره الإطار المرجعي للمسلم في كل ما يصدر عنه من فكر ورأي، ومن تقدير وتدبير، ومن ترجيح واختيار كما يدخل فيه الرصيد العلمي والمعرفي العام، فالمستشار أو المتشاور كلما ازداد رصيده العلمي، واتسع أفقه المعرفي، كان ذلك أنفع وأرشد له ولغيره ممن يستشيرونه أو يتشاورون معه.
ب ـ الأمانة: فيدخل فيها الدين، وخلوص النصيحة والبراءة من الهوى والغرض، والسلامة من غائلة الحسد أو مراعاة مصلحة القريب والحبيب وكتمان السر والإنسان إذا فقد الأمانة يمكن أن يضر بعلمه أكثر مما ينفع، ويمكن أن يقدم التدليس والتضليل في ثوب النصح والنفع، كما في نصيحة إبليس لآدم وزوجه" فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ " (الأعراف، آية: 20 ـ 22).
ج ـ الخبرة:، فأعني بها المعرفة الميدانية، معرفة الواقع ومعرفة الوقائع وحقائقها، ومعرفة الناس وأحوالهم ومعرفة المشاكل وحلولها، ومعرفة الأدواء وأدويتها وهذا ما يعرف عند العلماء بالعقل الكامل بطول التجربة مع الفطنة والذكاء، فالشورى إنما تكون في الواقع ونوازله ومشاكله ومتطلباته، فهي ليست نقاشاً فكرياً أو بحثاً عملياً ولذلك فالعلم النظري وحده لا يكفي ما لم يتنزل على فهم صحيح ودقيق للواقع والوقائع، فالأصل في المستشار أن يكون جامعاً بين العلم النظري والخبرة العملية وخاصة حينما يتعلق الأمر بالمستشار الفرد ولكن بما أن الشرط الأول ((العلم)) والشرط الثالث ((الخبرة)) يتداخلان ويتكاملان فلا بأس إن كان في المجلس من أصحاب العلم من لهم نقص في بعض الخبرات، ومن أصحاب الخبرة من لهم نقص في بعض جوانب العلم، فإن الصنفين يتكاملان، ويأخذ هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء ،ومن هذا الباب دعا المفكر خير الدين التونسي إلى ضرورة الاختلاط والتعاون والتكامل بين أهل العلم وأهل السياسة , إذ لا تستقيم الأمور لأحد الطرفين دون الآخر قال: وأنت إذا أحطت بما قررناه , علمت مخالطة العلماء لرجال السياسة بقصد التعاضد على المقصد المذكور ((تحقيق مصالح الأمة)) , من أهم الواجبات شرعاً .. وبيان ذلك أن إدارة أحكام الشريعة كما تتوقف على العلم بالنصوص تتوقف على معرفة الأحوال التي تعتبر في تنزيل تلك النصوص , فالعالم إذا اختار العزلة والبعد عن أرباب السياسة , فقد سد عن نفسه أبواب معرفة الأحوال المشار إليها.
فهذه الصفات الثلاثة ((العلم والأمانة والخبرة)) هي الشروط الأساسية اللازمة لمن يتولون النظر والمشاورة في الشؤون العامة الدينية والدنيوية وقد جمعها الإمام البخاري بقوله: وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم. على اساس أن أهل العلم يومئذ هم أيضاً أهل ممارسة عملية وخبرة ميدانية وهي الأوصاف المضمنة كذلك في قول ابن جماعة: وكذلك ينبغي للسلطان مشاورة العلماء العاملين , الناصحين لله ورسوله والمؤمنين.

هناك تعليقان (2):

  1. في المقال تدليس فقد نسبت الكلام الى كثير من اهل العلم على حد تعبيرك وفي الواقع هي لابن الازرق في بدائع السلك وقد نسبت الاخبار الى الريسوني وهو ذكر الريسوني ولم يذهر اهل العلم

    ردحذف
    الردود
    1. تعديل : وهو ذكر ابن الازرق وليس اهل العلم

      حذف