Translate

الأربعاء، 16 يناير 2013

حكم الشورى

هناك اختلاف بين العلماء والباحثين حول الرأي الفقهي المتعلق بحكم الشورى، هل هي واجبة أم مندوب إليها، وأغلب الظن أن الحكم يتأرجح ما بين الوجوب والندب.

1 ـ من رأى بوجوب الشورى وفرضيتها، وهم جمهور الفقهاء، منهم الحنفية والمالكية، والقول الصحيح من المذهب الشافعي، وينسب هذا القول أيضاً للنّوويّ وابن عطية وابن خويز منداد والرازي، وبعض المعاصرين كأمثال محمد عبده, محمد شلتوت و محمد أبو زهرة وعبد الوهاب خلاف و عبد القادر عودة, نظراً للنصوص الشرعية الواردة في هذا الشأن, وعلي ولي الأمر العمل بالشورى وما يصدر عنها من نتائج ورؤى, ويأثم إذا أعرض عنها, وترك العمل بها, بل يرى ابن عطية 541هـ أن: الشورى من قواعد الإسلام وعزائم الأحكام, من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب و الأدلة على ذلك قوله تعالى: " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " (ال عمران, اية: 159) ولأن الأصوليين يقولون أن صيغة الأمر تشير إلى الوجوب مالم تصرفه قرينة, ولا قرينة صارفة عن الوجوب. و ظاهر الأمر يدل على الوجوب, وإنما أمر الله تعالى نبيه بالمشاورة ليقتدي به المسلمون, فلا غنى لولي الأمر على المشاورة, فإن الله تعالى أمر به نبيه صلى الله عليه وسلم.
ومن الأحاديث ما يشير إلى وجوب الشورى في حياة المسلمين, ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه, أنه قال: ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان من عادته صلى الله عليه وسلم أن يقول: أشيروا علىَّ معشر المسلمين (5) , والشورى في الإسلام نص قاطع لا يدع للأمة المسلمة شكاً في أن الشورى مبدأ أساسي, لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه.

إن الشورى من لوازم الإيمان, حيث جعلها صفة من الصفات اللاصقة بالمؤمنين المميزة لهم عن غيرهم, فلا يكمل إيمان المسلمين إلا بوجود صفة الشورى فيهم, ولا يجوز لجماعة مسلمة أن تقيم أو ترضى إقامة أمرها على غير الشورى, و إلا كانت آثمة مضيعة لأمر الله (1).
2ـ من رأى الندب في الشورى؟ وينسب هذا القول لقتادة وابن إسحاق والشّافعي والرّبيع وابن حزم وابن القيم, ورجحه ابن حجر, وقد ورد هذا ضمن كلام بعض السلف وقياساً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تجب عليه الشورى أو المشاورة وبالتالي يقاس عليه وضع الخليفة المسلم, إذ لا تجب عليه المشاورة, لأن السلطات الدينية والسياسية من صلاحياته له أن يتولاها بنفسه أو أن يفوض فيها البعض باختياره, من دون إلزام أو فرض عليه.
3 - الراجح:
أن الشورى واجبة بالنظر إلى طبيعة الحكم في الإسلام, وأن قواعد السياسة الشرعية تستلزم عدم الانفراد بالرأي, لاسيما في أمور المسلمين العامة, أما ربط مقام الخليفة بمقام النبي صَلىَّ الله عليه وسلم, فالظاهر أنه ربط في غير موضعه, إذ أن مقام الرسول صلىّ الله عليه وسلم أوجه وأحكم من مقام الخليفة, فالرسول كان يجمع أكثر من وظيفة دينية ودنيوية في آن واحد, وليس من العجيب أن يكون الرسول: صلى الله عليه وسلم في بعض المواضيع مستغنيا عن آراء الناس وأحكامهم نظراً لقوة المصدر الذي يعود إليه, وهو الوحي, وفي مسائل الدنيا, كان من عادته صلى الله عليه وسلم التشاور مع أصحابه, وهذا واضح بلا منازع أما الخليفة - والحاكم - فهو غالباً ما يشكل رمزاً لهذه الأمة, وسلطاته تعود بالأساس إلى الأمة بعمومها, وسلطانها العام , - والحاكم- يستمد سلطانه من الأمة لا من ذاته ولعل المصلحة الشرعية التي تعود بالشورى والمشاورة أكثر من تلك التي تؤخذ من الانفراد والتحكم بالرأي, ولاغنى لولي الأمر عن المشاورة, فإن الله أمر بها نبيه صلىّ الله عليه وسلَّم, فقال تعالى .. "وشاورهم في الأمر" وقد قيل: إن أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه, وليقتدي به من بعده وليستخرج بها منهم الرأي فيما ينزل فيه وحي من أمر الحروب, والأمور الجزئية, وغير ذلك, فغير صلى الله عليه وسلم ((أولى بالمشورة)) (1)
فإذا كانت الشورى في حق رسول ((صلَّى الله عليه وسلم)) المعصوم الذي يوحى إليه, فهو شأن سائر أئمة المسلمين من باب أولى (2).
ثم إن الشورى واجبة بناء على قواعد ودلالات الألفاظ في علم أصول الفقه, ففي قول الله تعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ " (آل عمران, أية: 195) , لفظة ((وشاورهم)) تشير إلى الوجوب، لأن حقيقة الأمر عند الاصوليين تنصرف إلى الوجوب ما لم تصرفها قرينة (3).
وليس في القرآن أو السنة ما يشير خلاف ذلك, فمن الدلالات القرآنية إلى الأحاديث النبوية ما يشير إلى الوجوب والعمل بها ومنها ما يشير إلى الندب والمدح للعاملين بها, وهذه الأخيرة لا تخالف الأولى في الحكم , بل تعززها وبالتالي الذي نذهب إليه أن الشورى كحكم شرعي واجبة لاسيما وأنها كنظام إنساني أو آلية حكم واجبة بوجوب موضوعها ابتداءً وإنتهاءً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق