بدأت رياح الثورات الجديدة في عالمنا العربي يوم الجمعة17 ديسمبر2010 عندما قام محمد البوعزيزي بإضرام النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجا علي مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه.
وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوي أراد تقديمها في حق الشرطية التي صفعته أمام الملأ وقالت له ارحل, وبعدها أصبحت هذه الكلمة شعار الثورة وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة.
ومع قدوم شهر يناير تبدأ ذكريات الثورة في التوافد إلي العقل الجمعي في دول الربيع العربي, فمنذ نجاح الثورة التونسية- من عامين- في14 يناير ونجاح الثورة المصرية'ثورة الخامس والعشرين من يناير2011' أصبح هذا الشهر هو شهر الحرية وشهر الجماهير التي تنتزع حريتها وتقرر أنها صاحبة الشرعية وصاحبة الحق في تقرير شكل النظام السياسي الذي يحكمها.
إن الثورة وكما يعرفها البعض هي تحول كبير في أوضاع مجتمع ما وفي هيكله السياسي يصاحبها غضب عام وعارم من الطبقات المختلفة في المجتمع ورغم ما قاله فوكوياما في كتابه( التركيبة البغيضة) من' ان البشرية قد وصلت إلي نهاية التاريخ', أي أنه لا يوجد مستقبل نصل إليه بعد الرأسمالية الغربية لكن الواقع يقول إننا لم نصل إلي نهاية الثورات بعد فعندما تكتمل مقدمات الثورة وشروطها في مجتمع ما فإنها تحدث وعندما تحدث فإنها تخلق واقعا جديدا.
وتكون المقدمات في صورة أسئلة تأسيسية مثل إلي أي مدي نحن أحرار في تشكيل حياتنا معا كمجتمع سياسي؟ وما هو مقدار استيعابنا للدور الذي نقوم به كمجتمع في الحياة السياسية والاقتصادية؟ومقدار إسهامنا في الوصول للنتائج التي نتمناها ونتوق إليها من خلال ثقافة تحكم حركة المجتمع؟
كان المد الثوري الديمقراطي الذي بدأ في أوروبا الشرقية منذ عام1989 قد اجتاح كثيرا من المناطق والدول التي افتقدت لنماذج في الحكم الرشيد الذي يجمع بين الحرية والعدالة والعمل التنموي الحقيقي الذي يجعل عوائد النشاط الاقتصادي تتوزع بشكل متوازن داخل المجتمع مع آليات واضحة في المحاسبة والمكاشفة ومحاربة الفساد.
ولذلك فقد ارتبطت هذه الثورات بمفهوم الديمقراطية خصوصا حيث تحول مصطلح الثورة الديمقراطية إلي مرادف للتغيير المفاجئ والشامل وغير المتسم بالعنف للنظام مثلما حدث في بولندا والمجر وألمانيا الشرقية وصربيا وجورجيا وأوكرانيا,حيث شهدت هذه الدول في ثوراتها تحولات سياسية جذرية كبيرة دون وقوع أحداث عنف أو أحداث دموية..
وهذا التغيرفي مفهوم الثورة عمق ارتباط الثورة بالديمقراطية وسعيها باتجاه تحقيق أحلام الشعوب في إصلاح نظامها السياسي وبناء مؤسسات تعبر عن آمالهاو أو كما قال إبراهام لنكولن عندما عرف الديمقراطية' هي حكومة الشعب وبالشعب ومن أجل الشعب'.
هذا النوع الجديد من الثورات افتقد في حقيقة الأمرالكثير من العناصر الكلاسيكية التي كانت حاضرة في الثورات القديمة وهي العنف أو القوة العسكرية والقيادات اللامعة والرؤية الأيدلوجية..
لكن الشعور العام الذي سيطر علي شعوب دول أوروبا الشرقية ومن بعدها دول الربيع العربي وحضها علي القيام بالثورة كان فكرة العودة للحياة الطبيعية التي تعبر عن الشعوب والمجتمعات,وهذا ما كتبه جورجي كونراد الأديب المجري الشهير عندما وصف الثورة البولندية التي اندلعت في أوساط العمال منذ1980 قائلا' إن الديمقراطية في عقولنا إنها جل ما نتوق إليه لأنها أهم ما نفتقده في كل مناحي حياتنا في الاقتصاد والثقافة تماما مثل السياسة, وما ذهب إليه كونراد هو التوصيف الدقيق لهذا العطش الذي يتولد في مجتمع ما في لحظة ما نحو الديمقراطية الشاملة في السياسة والاقتصاد والثقافة'.
وحتي يحدث هذا النوع من الثورات الديمقراطية في مجتمع ما لا بد لها من إطار عام يحدد مسارها ويحمي حركتها وشروط حاكمة تخلق الظرف الموضوعي للنشأة والميلاد حيث إن الثورة وهي عمل جماعي تحتاج لان تكون الأحكام العامة والشروط الحاكمة أمرا مستقرا في العقل الجمعي للشعوب.
أما الإطار العام فهو كما قلنا اعتبارات أو ضرورات وفي مقدمتها التبرير الأخلاقي والذي يجب أن يكون واضحا وجليا عند كل المشاركين في هذه الثورة, وهي أيضا التي تضمن القدرة علي الحشد والدعم وكذلك وجود الإطار الهيكلي الذي يضمن وجود مسارات تنفيذية وتكوينات مجتمعية وسياسية لتنفيذ هذه الثور وأخيرا القدرة علي الاختيار وتنفيذ هذا الاختيار لأنه لا يمكن أن يقوم مجتمع ما بعمل وهو غير قادر علي إنفاذه وتنفيذه.
أما الشروط الحاكمة للثورات كما هو شائع عند كثير من الذين كتبوا عن الثورات وقاموا بتحليل مقدماتها ونتائجها فهي وجود حالة حقيقية من السخط العام بمعني أن يصل مجتمع ما إلي السخط علي نظامه السياسي والاقتصادي والثقافي, وهو سخط يجب ألا يستثني طائفة ولا ملة ولا شريحة داخل هذا المجتمع, والشرط الثاني هو الاستعداد الكامل للتضحية وتقديم كل ما يلزم من أجل حسم الصراع مع الموروث المرفوض وأخيرا وجود حادث مؤلم أو ملهم يشعل السخط العام ويستخدم الاستعداد للتضحية في إطار حسم الصراع.
هذه المقدمات أو الشروط عندما تجتمع فإن الثورة تصبح قابلة للاشتعال والتوهج ويصبح النجاح قريب المنال,ولكن وبعد أن تنجح الثورات لابد أيضا من وجود مقومات التغلب علي التحديات التي تواجه الثورات بعد نجاحها, وذلك من خلال البحث عن أشكال تنظيمية وهياكل قادرة علي دعم وتعزيز القوي السياسية والمجتمعية التي تنشأ بعد الثورات وتضمن لها أن توجد وأن تتعايش مع الاخر,وكذلك إيجاد بدائل اقتصادية وسياسات داعمة للنمو الاقتصادي مع آليات رقابية ومكافحة لكل ألوان الفساد الإداري والمالي مع العمل المتكامل لتخليق ثقافة جديدة تدعم قضية المشاركة والتفاعل مع الآخر والحض علي قيمة الانتاج والعمل.
والسؤال الذي يطرح نفسه الان بعد هذه المقدمة- التي أعلم أنها طالت- هو كيف حدثت الثورة في مصر وكيف نجحت, هذا ما سوف نتناوله معا في المقالات القادمة ونحن نقترب من مرور عامين علي الثورة المصرية ومع احتفال مصر بنجاح هذه الثورة وسعيها الحثيث من اجل استكمال أهدافها.
.. مع آخر مقال لي في عام2012.. هذا العام الممتلئ بالمتغيرات والمستجدات أقدم خالص التهنئة بعام ميلادي جديد لكل المصريين, وأخص بالتهنئة أخوة الوطن المسيحيين من مختلف الطوائف, واسأل الله أن يكون عاما مليئا بالعمل والانجاز والخير لمصر والمصريين.
كما أقدم التهنئة لجريدة الأهرام وأبنائها من الصحفيين والعاملين فيها من مختلف الأجيال بمناسبة مرور137 عاما علي تأسيسها.
ومع قدوم شهر يناير تبدأ ذكريات الثورة في التوافد إلي العقل الجمعي في دول الربيع العربي, فمنذ نجاح الثورة التونسية- من عامين- في14 يناير ونجاح الثورة المصرية'ثورة الخامس والعشرين من يناير2011' أصبح هذا الشهر هو شهر الحرية وشهر الجماهير التي تنتزع حريتها وتقرر أنها صاحبة الشرعية وصاحبة الحق في تقرير شكل النظام السياسي الذي يحكمها.
إن الثورة وكما يعرفها البعض هي تحول كبير في أوضاع مجتمع ما وفي هيكله السياسي يصاحبها غضب عام وعارم من الطبقات المختلفة في المجتمع ورغم ما قاله فوكوياما في كتابه( التركيبة البغيضة) من' ان البشرية قد وصلت إلي نهاية التاريخ', أي أنه لا يوجد مستقبل نصل إليه بعد الرأسمالية الغربية لكن الواقع يقول إننا لم نصل إلي نهاية الثورات بعد فعندما تكتمل مقدمات الثورة وشروطها في مجتمع ما فإنها تحدث وعندما تحدث فإنها تخلق واقعا جديدا.
وتكون المقدمات في صورة أسئلة تأسيسية مثل إلي أي مدي نحن أحرار في تشكيل حياتنا معا كمجتمع سياسي؟ وما هو مقدار استيعابنا للدور الذي نقوم به كمجتمع في الحياة السياسية والاقتصادية؟ومقدار إسهامنا في الوصول للنتائج التي نتمناها ونتوق إليها من خلال ثقافة تحكم حركة المجتمع؟
كان المد الثوري الديمقراطي الذي بدأ في أوروبا الشرقية منذ عام1989 قد اجتاح كثيرا من المناطق والدول التي افتقدت لنماذج في الحكم الرشيد الذي يجمع بين الحرية والعدالة والعمل التنموي الحقيقي الذي يجعل عوائد النشاط الاقتصادي تتوزع بشكل متوازن داخل المجتمع مع آليات واضحة في المحاسبة والمكاشفة ومحاربة الفساد.
ولذلك فقد ارتبطت هذه الثورات بمفهوم الديمقراطية خصوصا حيث تحول مصطلح الثورة الديمقراطية إلي مرادف للتغيير المفاجئ والشامل وغير المتسم بالعنف للنظام مثلما حدث في بولندا والمجر وألمانيا الشرقية وصربيا وجورجيا وأوكرانيا,حيث شهدت هذه الدول في ثوراتها تحولات سياسية جذرية كبيرة دون وقوع أحداث عنف أو أحداث دموية..
وهذا التغيرفي مفهوم الثورة عمق ارتباط الثورة بالديمقراطية وسعيها باتجاه تحقيق أحلام الشعوب في إصلاح نظامها السياسي وبناء مؤسسات تعبر عن آمالهاو أو كما قال إبراهام لنكولن عندما عرف الديمقراطية' هي حكومة الشعب وبالشعب ومن أجل الشعب'.
هذا النوع الجديد من الثورات افتقد في حقيقة الأمرالكثير من العناصر الكلاسيكية التي كانت حاضرة في الثورات القديمة وهي العنف أو القوة العسكرية والقيادات اللامعة والرؤية الأيدلوجية..
لكن الشعور العام الذي سيطر علي شعوب دول أوروبا الشرقية ومن بعدها دول الربيع العربي وحضها علي القيام بالثورة كان فكرة العودة للحياة الطبيعية التي تعبر عن الشعوب والمجتمعات,وهذا ما كتبه جورجي كونراد الأديب المجري الشهير عندما وصف الثورة البولندية التي اندلعت في أوساط العمال منذ1980 قائلا' إن الديمقراطية في عقولنا إنها جل ما نتوق إليه لأنها أهم ما نفتقده في كل مناحي حياتنا في الاقتصاد والثقافة تماما مثل السياسة, وما ذهب إليه كونراد هو التوصيف الدقيق لهذا العطش الذي يتولد في مجتمع ما في لحظة ما نحو الديمقراطية الشاملة في السياسة والاقتصاد والثقافة'.
وحتي يحدث هذا النوع من الثورات الديمقراطية في مجتمع ما لا بد لها من إطار عام يحدد مسارها ويحمي حركتها وشروط حاكمة تخلق الظرف الموضوعي للنشأة والميلاد حيث إن الثورة وهي عمل جماعي تحتاج لان تكون الأحكام العامة والشروط الحاكمة أمرا مستقرا في العقل الجمعي للشعوب.
أما الإطار العام فهو كما قلنا اعتبارات أو ضرورات وفي مقدمتها التبرير الأخلاقي والذي يجب أن يكون واضحا وجليا عند كل المشاركين في هذه الثورة, وهي أيضا التي تضمن القدرة علي الحشد والدعم وكذلك وجود الإطار الهيكلي الذي يضمن وجود مسارات تنفيذية وتكوينات مجتمعية وسياسية لتنفيذ هذه الثور وأخيرا القدرة علي الاختيار وتنفيذ هذا الاختيار لأنه لا يمكن أن يقوم مجتمع ما بعمل وهو غير قادر علي إنفاذه وتنفيذه.
أما الشروط الحاكمة للثورات كما هو شائع عند كثير من الذين كتبوا عن الثورات وقاموا بتحليل مقدماتها ونتائجها فهي وجود حالة حقيقية من السخط العام بمعني أن يصل مجتمع ما إلي السخط علي نظامه السياسي والاقتصادي والثقافي, وهو سخط يجب ألا يستثني طائفة ولا ملة ولا شريحة داخل هذا المجتمع, والشرط الثاني هو الاستعداد الكامل للتضحية وتقديم كل ما يلزم من أجل حسم الصراع مع الموروث المرفوض وأخيرا وجود حادث مؤلم أو ملهم يشعل السخط العام ويستخدم الاستعداد للتضحية في إطار حسم الصراع.
هذه المقدمات أو الشروط عندما تجتمع فإن الثورة تصبح قابلة للاشتعال والتوهج ويصبح النجاح قريب المنال,ولكن وبعد أن تنجح الثورات لابد أيضا من وجود مقومات التغلب علي التحديات التي تواجه الثورات بعد نجاحها, وذلك من خلال البحث عن أشكال تنظيمية وهياكل قادرة علي دعم وتعزيز القوي السياسية والمجتمعية التي تنشأ بعد الثورات وتضمن لها أن توجد وأن تتعايش مع الاخر,وكذلك إيجاد بدائل اقتصادية وسياسات داعمة للنمو الاقتصادي مع آليات رقابية ومكافحة لكل ألوان الفساد الإداري والمالي مع العمل المتكامل لتخليق ثقافة جديدة تدعم قضية المشاركة والتفاعل مع الآخر والحض علي قيمة الانتاج والعمل.
والسؤال الذي يطرح نفسه الان بعد هذه المقدمة- التي أعلم أنها طالت- هو كيف حدثت الثورة في مصر وكيف نجحت, هذا ما سوف نتناوله معا في المقالات القادمة ونحن نقترب من مرور عامين علي الثورة المصرية ومع احتفال مصر بنجاح هذه الثورة وسعيها الحثيث من اجل استكمال أهدافها.
.. مع آخر مقال لي في عام2012.. هذا العام الممتلئ بالمتغيرات والمستجدات أقدم خالص التهنئة بعام ميلادي جديد لكل المصريين, وأخص بالتهنئة أخوة الوطن المسيحيين من مختلف الطوائف, واسأل الله أن يكون عاما مليئا بالعمل والانجاز والخير لمصر والمصريين.
كما أقدم التهنئة لجريدة الأهرام وأبنائها من الصحفيين والعاملين فيها من مختلف الأجيال بمناسبة مرور137 عاما علي تأسيسها.
نقلاً عن الأهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق