الديمقراطية كلمة يونانية في أصلها, ومعناه: سلطة الشعب, والمقصود بها بزعمهم: حكم الشعب نفسه بنفسه عن طريق اختيار الشعب لحكامه, وهي الكذبة التي كان يرددها النظام الشيوعي.
ويذكر الباحثون أن أوَّل من مَارَسَ هذه النظرية هم الإغريق في مدينتي أثنيا وإسبرطة, ولكنها ارتبط في الغرب بالنظام السياسي والاقتصادي بخلاف نشأتها عند الإغريق, وكانت طريقتهم تتمثَّل في أنهم كانوا يشكلّون حكومة من جميع رجال المدينة, وأطلقوا عليها اسم "حكومة المدينة" حيث يجتمع رجال المدينة لبحث كل أمورهم, ينتخبون لهم حاكمًا, ويُصْدِرُون القوانين في كل قضية تعرض عليهم, ويتخذون لها حلًّا يكون حاسمًا, ويشرفون جميعهم على تنفيذه بكل دقة وحزم, واستمروا على هذه الصورة الفريدة إلى أن انتهت حكومة المدينة في كل من أثينا وإسبرطة حينما غلبهم المدّ النصراني, وبرز رجال الكنيسة, وقد بقيت تلك الحكومة في ذاكرة الناس، ثم كان لطغيان رجال الكنيسة فيما بعد الأثر الحافظ على الرغبة في العودة إلى تلك الحكومة الغابرة, وظلَّ أهل أوربا يتوقون إلى الخلاص من قبضة رجال الكنيسة تحت أيّ تيار يسوقهم, علَّهم يجدون متنفسًا من أوضاعهم المخزية تحت سلطة الإقطاع والنبلاء والأشراف من البابوات, وكبار الملاك الظالمون لجميع طبقات الشعوب. ونجم عن كثرة الشغط الانفجار الذي تمثَّل في الثورة الفرنسية؛ حيث أخذ زعماؤها في التفتيش عن مصدر يحلّ محل ذلك الحكم البغيض, ولم يكن أيام حكم المدينة غائبًا عن أذهانهم, خصوصًا وقد اتَّصل كثير من الأوربيين بالمسلمين, وتفهَّموا كثيرًا من تصوارت المسلمين ونظامهم الإلهي العادل, الذي منعهم من الانقياد له حقدهم الشديد على الدين والمتدينين, ثم رغبتهم في الانفلات من كل قيد وغير ذلك, فوقع اختيارهم على ذلك الماضي الجاهلي الإغريقي ونادوا بتجديده والسير على نهجه؛ كي يبعدهم عن شبح البابوات والأباطرة والإقطاعيين ومن جاء بعدهم من الجشعين الرأسماليين, فاتَّخذوه شعارًا -بِغَضِّ النَّظَرِ عن تحقيقه- يحاربون تحته, ومع طموح الشعوب إلى تحقيق هذا الحلم, فقد وجد الدعاة له من المشقَّة والتَّنكيل والسجن على أيدي أصحاب السلطة المستأثرين بها, وعلى أيدي البابوات والوجهاء والأثرياء في ذلك الوقت ما لا يوصف, وهو أمر بدهي, إلّا أنَّ دعاة تلك الديمقراطية لم يضعف عزمهم ولم تخنهم شجاعتهم, فكانوا كما قيل:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وتَمَّ له بعد الكفاح المرير الوصول إلى كراسيّ السلطة, وإخضاع أمراء الإقطاع والمستأثرين بالسلطة إلى الرضوخ للأمر الواقع, وزحزحت البساط من تحت أقدام البابوات, أصحاب الحق الإلهي المقدَّس بزعمهم, ومن تحت أمراء الإقطاع الذين كانوا لا يسألون عمَّا فعلوا والناس يسألون، وصدق الله تعالى حينما قال: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران، 140] وابتلى الله الظالمين بعضهم ببعض, ولا يزال بأسهم بينهم شديدًا وقلوبهم شتَّى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق