إن الشورى جزء من الدين ,
وجزء من الشريعة , وجزء من المنظومة الإسلامية المتكاملة , ولن تحقق هذه المنظومة أهدافها
على الشكل الأكمل والأمثل إلا بتشغيل جميع أجزائها أو أنظمتها الجزئية وكما أن الاختلال
في أي جزء ينعكس سلباً على فاعلية الأجزاء الأخرى , والعكس بالعكس أيضاً.
فالشورى حين يتم تطبيقها وممارستها
ضمن منظومة من جنسها , وضمن أجواء ملائمة لها ومساعدة على حسن أدائها وتحقيق مقاصدها,
هي غيرها حين تتم ممارستها في أجواء معاكسة أو معيقة أو غير مساعدة , ففي غياب الأخلاق
وضوابطها فلا يستبعد أن يتحول النظام الشورى إلى مجرد أداة للصراعات والمناورات وميدانا
للشد والجذب والجدل العقيم.
وهنا يمكن أن نضيف إلى الشورى
المعلمة والشورى الملزمة صنفاً ثالثاً هو الشورى المؤلمة , وهي التي لا تنتج إلا الخصومات
والحزازات والأوجاع وقد تتحول الشورى والمؤسسات الشورية وسيلة للمكاسب والمناصب قضاء
المآرب وقد تتخذ مجرد غطاء أو وسيلة للاستبداد والاستعباد والتلاعب والتآمر وحتى فرعون
وملؤه كانوا يتشاورون في بغيهم وفسادهم, كما حكى القرآن الكريم ذلك في غير موضع
منه , كما قال تعالى:" قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ
عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُواْ
أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ
عَلِيمٍ " (الأعراف , آية:109 إلى 112) وفي موضع آخر:" قَالَ لِلْمَلَإِ
حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم
بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ " (الشعراء , آية: 34 - 35).
وحتى إخوة يوسف , فإنهم تشاوروا
, ولكن ليتأمروا قال تعالى:"{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ
لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ
اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا
صَالِحِينَ * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ
الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قَالُواْ يَا
أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ
مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي
أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
* قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ
* فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ
إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} " (يوسف
, آية: 7 - 15). والشورى كذلك لا تنجح ولا تستمر إلا في ظل الحرية , وأجواء الحرية،
حرية الضمير، وحرية التكفير , وحرية التعبير.
والشورى بدون حرية حقيقية
, لا يمكن أن تتم وإذا تمت فلا يمكن أن تستمر , وإذا استمرت فليست هي , وإنما هي أسماء
وأشكال ورسوم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق