Translate

السبت، 26 يناير 2013

الشورى والإصلاح


إن الحديث عن الشورى مرتبط جذرياً بمشاريع الإصلاح التي تدندن حولها الاحزاب والدول والمنظمات والمؤسسات ودعاة الإصلاح في عالمنا العربي والإسلامي الكبير , فالإصلاح الذاتي الداخلي مطلب جوهري لشعوب المسلمين.
والإصلاح الذاتي الداخلي - حقيقة - هو النابع من الأمة ذاتها من عقيدتها وثقافتها , ومن شخصيتها الحضارية واستعداداتها النهضوية , وهو الإصلاح الذي تكون الأمة مؤمنة به متجاوبة معه , متحمسة له , منخرطة فيه , أو على الأقل عندها القابلية والاستعداد لذلك كله.
والشعوب الإسلامية في أشد الحاجة لثقافة الشورى ونشرها عبر الطرق والوسائل الممكنة , من إعلام , وتعليم ,ووعظ وإرشاد , وخطابة وإفتاء , كما أن ثقافة الشورى تعني تعميم الممارسة الشورية في جميع شؤون المجتمع ومرافقه , حتى يعيشها الناس ويتدربوا عليها ويدركوا قيمتها ومردوديتها.
فالشورى ليست خاصة بالرؤساء والأمراء وليست خاصة باختيار الخلفية , وليست خاصة بالحروب ومعاركها , والسياسة وقضاياها.
الشورى منهج حياة ومنهاج تفكير وتدبير , ومنهج علاقات ومعاملات ولا يستغني عن الشورى أحد فهذا هو سيد البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم , كان يستشير في الصغيرة والكبيرة , وفي العامِّ والخاص, وفي الديني والدنيوي والشورى نهج لترشيد العلاقات العائلية, بين الزوجين , وبين الآباء والأبناء , فهي تقوي العلاقات الحميمة القائمة على التحاور والتفاهم , وهي تجنبنا القرارات الانفرادية وما تجلبه من أضرار وحزازات , وتجنبنا ذلك الفهم الرديء الذي يجعل من قوامة الرجال على النساء مجرد تسلط وتحكم ومنع وإلزام لكي تصبح قوامة تشاور وتفاهم وتراضى وتعاون.
وإذا كانت الشورى - طبقاً للقرآن والسنة - جارية في حياة الأفراد وبين الأزواج , وبين الأبناء والآباء , فهي من باب أولى جارية في جميع المصالح العامة والقضايا المشتركة.
ومن ثقافة الشورى، إقامة علاقات شورية وتدبير شوري على صعيد الوحدات الاجتماعية الصغرى , كالوحدات السكانية , والوحدات المهنية, فعلى صعيد الحي , أو القرية , أو جمهور مسجد من المساجد أو سوق من الأسواق , أو على صعيد حرفية معينة , أو مصنع , أو نطاق فلاحي ... على كل هذه الأصعدة وأمثالها هناك قضايا مشتركة ومصالح مشتركة ومشاكل مشتركة , وهي كلها تحتاج إلى تشاور وتفاهم وتدبير تشاوري , سواء مباشرة بين المعنيين بها , أو بواسطة نقبائهم وعرفائهم ووكلائهم وأمنائهم والعلماء أيضاً , في اجتهاداتهم الشرعية والفقهية , ومواقفهم من مختلف النوازل والمشاكل , يجب أن يصدروا عن تحاور وتشاور واتفاق , ما أمكنهم ذلك , وقد رأينا أصالة هذا المسلك وعراقته منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته , ولقد كانت أهم مشاورات الصحابة وأشهرها هي تلك المتعلقة بالإجتهاد وتقرير الأحكام لما جدّ من الأحوال والأفعال والخلافات وكذلك كان يفعل قضاة الإسلام وفقهاؤه في عصور مختلفة.
والخلاصة في هذه النقطة هي أن الشورى يجب أن تكون ثقافة عامة وسلوكاً عاماً. وأن تكون خلقاً وأدباً , قبل أن تكون قانوناً ونظاماً , وإنما تنجح القوانين والأنظمة أو تفشل بقدر ماتحتها وما حولها من ثقافة تؤسس لها ثم تغذيها وتقويها , ثم تحميها وتمنع انتهاكتها , فإذا كانت هذه الثقافة سائدة وفاعلة في عموم المجتمع وعامة شؤونه ومرافقه نستطيع حينئذ أن نمضي قدماً في إقامة الشورى وتنظيمها على مستوى الدولة ومؤسساتها ومرافقها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق