Translate

الثلاثاء، 15 يناير 2013

الشورى في دولة عمر بن عبد العزيز


وقد اهتم عمر بن عبد العزيز بتفعيل مبدأ الشورى في خلافته, ومن أقواله في الشورى: إن المشورة و المناظرة باب رحمة ومفتاح بركة لا يضل معهما رأي, ولا يفقد معهما حزم, وكان أول قرار اتخذه عمر بعدما ولي أمر المدينة للوليد ابن عبد الملك, يتعلق بتطبيق مبدأ الشورى وجعله أساساً في إمارته, حين دعا من فقهاء المدينة وكبار علمائها, وجعل منهم مجلساً استشارياً دائماً.
فعندما جاء الناس للسلام على الأمير الجديد بالمدينة وصلى دعا عشرة من فقهاء المدينة وهم: عروة بن الزبير, وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة, و أبوبكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام, و أبوبكر بن سليمان بن أبي خيثمة, وسليمان بن يسار, والقاسم بن محمد, وسالم ابن عبد الله بن عمر, و أخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عامر بن ربيعة, وخارجة بن زيد بن ثابت, فدخلوا عليه فجلسوا فحمدا الله وأثنى عليه بما هو أهله, ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه, وتكونون فيه أعواناً على الحق, إني لا أريد أن أقطع أمراُ إلا برايكم أو برأي من حضر منكم, فإن رأيتم أحداً يتعدى, أو بلغكم عن عامل لي ظلامة فاحّرج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني فقد أحدث عمر بن عبد العزيز مجلساً, حدّد صلاحياته بأمرين:
1 - أنهم أصحاب الحق قي تقرير الرأي, وأنه لا يقطع أمراً إلا برأيهم, وبذلك يكون الأمير قد تخلى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس, الذي نسميه مجلس العشرة.
2 - انه جعلهم مفتشين على العمل, ورقباء على تصرفاتهم فإذا مااتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عاملاً ارتكب ظلامة, فعليهم أن يبلغوه وإلا فقد استعدى الله على كاتم الحق
ونلاحظ كذلك على هذا التدبير قد تضمن أمرين:
1 - أن الأمير عمر بن عبد العزيز لم يخصص تعويضاً لمجلس العشرة لأنهم كانوا من أصحاب العطاء, وبما أنهم فقهاء, فما ندبهم إليه داخل في صلب اختصاصهم
2 - ان عمر افترض - غياب أحدهم عن الحضور لعذر من الاعذار ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورهم كلهم, وإنما قال: أوبرأي من حضر منكم.
إن هذا المجلس كان يستشار في جميع الأمور دون استثناء ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلو مكانتهم وأنه يجب على صاحب القرار أن يدنيهم ويقربهم منه ويشاورهم في أمور الرعية, كما أنه على العلماء أن يلتفوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن للمصالح وتقليل ما يمكن من المفاسد, كما أن عمر بن عبد العزيز لم يختصر في شواره على هؤلاء فحسب, بل كان يستشير غيرهم من علماء المدينة, كسعيد بن المسيب, والزهري وغيرهم وكان لايقضي في قضاء حتى يسأل سعيد, وفي المدينة أظهر عمر بن عبد العزيز إجلاله للعلماء وإكباره لهم.
وقد حدث أن أرسل رحمه الله تعالى رسولا إلى سعيد بن المسيّب فأخذ سعيد نعليه وقام إليه في وقته, فلما رآه عمر قال له: عزمت عليك يا أبا محمد إلا رجعت إلى مجلسك حتى سألك رسولنا عن حاجتنا, فإنا لم نرسله ليدعوك, ولكنه أخطأ أنما أرسلناه ليسألك.
وفي إمارته على المدينة المنورة وسع مسجد رسول الله صلى الله عليه بأمر الوليد بن عبد الملك, حتى جعله مائتي ذراعاً في مائتي ذراع, ذخرفة بأمر الوليد بن عبد الملك مع أنه ـ رحمه الله ـ كان يكره ذخرفة المساجد ويتضح من موقف عمر بن العزيز هنا أنه قد يضطر الوالي للتجاوب مع قرارات ممن هو أعلى منه حتى وإن كان غير مقتنع بها إذا قدر أن المصلحة في ذلك من وجوه أخرى، وفي إمارته على المدينة في سنه 91هـ حج الخليفة الوليد بن عبد الملك فاستقبله عمر بن عبد العزيز أحسن استقبال, وشاهد الوليد بأم عينيه الإصلاحات العظيمة التي حققها عمر بن عبد العزيز في المدينة المنورة.
في خلافته:
كان خطابه عندما تولي الخلافة كالآتي: أيها الناس, إني قد ابتليت بهذا الأمر, من غير رأي كان مني فيه ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين, واني قد خلعت مافي أعناقكم من بيعتي ((فاختاروا لأنفسكم)) فصاح الناس صيحة واحدة, قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك فول أمرنا باليمن والبركة.
وبذلك خرج عمر من مبدا توريث الولاية الذي تبناه معظم خلفاء بني أمية إلى مبدأ الشورى والانتخاب, ولم يكتف عمر باختياره ومبايعة الحاضرين, بل يهمه رأي المسلمين في الأمصار الأخرى ومشورتهم, فقال في خطبته الأولى-عقب توليه الخلافة-: .. وإن من حولكم من الأمصار والمدن إن أطاعوا كما أطعتم, وإن هم أبوا فلست لكم بوالٍ, ثم نزل.
وقد كتب إلي الأمصار الأسلامية فبايعت كلها, وممن كتب لهم يزيد بن المهلب يطلب إليه البيعة بعد أن أوضح له إنه في الخلافة ليس براغب, فدعا يزيد الناس إلى البيعة فبايعوا, وبذلك يتضج أنه لم يكتف بمشورة من حوله بل امتد الأمر إلى جميع أمصار المسلمين ونستنتج من موقف عمر هذا ما يلي:
1 - أن عمر كشف النقاب عن عدم موافقة الأصول الشرعية في تولي معظم الخلفاء الأمويين.
2 - حرص عمر على تطبيق الشورى في أمر يخصه هو, ألا وهو توليه الخلافة.
3 - أن من طبق مبدأ الشورى في أمر مثل تولي الخلافة حري بتطبيقه فيما سواه.
وكان عمر يستشير العلماء, ويطلب نصحهم في كثير من الأمور أمثال سالم بن عبد الله, ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة وغيرهم, فقال: إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليّ. كما كان يستشير ذوي العقول الراجحة من الرجال وقد حرص عمر على إصلاح بطانته لما تولى الخلافة, فقرب إلى مجلسه العلماء وأهل الصلاح, وأقصى عنه أهل المصالح الدنيوية والمنافع الخاصة, ولم يكتف رحمه الله بانتفاء بطانته, بل كان زيادة على ذلك يوصيهم ويحثهم على تقويمه , فقال لعمر بن مهاجر: اذا رأيتني قد ملت عن الحق فضع يدك في تلبابي ثم هزني ثم قل: يا عمر ما تصنع؟ , وقد كان لهذا المسلك أثر في تصحيح سياسته التجديدية ونجاحها , حيث كان لبطانته أثر في شد أزره , وسداد رأيه وصواب قراره, فمن أسباب نجاح عمر بن عبد العزيز تقريبه لأهل العلم والصلاح وانشراح صدره لهم ومشاركتهم معه لتحمل المسؤلية فنتج عن ذلك حصول الخير العميم للإسلام والمسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق