Translate

الثلاثاء، 15 يناير 2013

الشورى في عهد نور الدين زنكي

تولى حركة المقاومة الإسلامية ضد الصليبيين في عهد الحروب الصليبية بعد عماد الدين عام 541هـ ابنه نور الدين محمود زنكي وقد تميزت شخصيته بمجموعة من الصفات الرفيعة والأخلاق الحميدة التي ساعدته ـ بعد توفيق الله ـ على تحقيق انجازاته العظيمة والتي من أهمها: الجدية والذكاء المتوقد , والشعور بالمسؤولية , وقدرته على مواجهة المشاكل والأحداث , ونزعته للبناء والأعمار , وقوة الشخصية ومحبة المسلمين له , واللياقة البدانية العالية , وتجرده وزهده الكبير , وشجاعته الفائقة , ومفهومة للتوحيد وتضرعه ودعاؤه , ومحبته للجهاد والشهادة , وعبادته وانفاقه وكرمه واتخذ نور الدين محمود زنكي من سيرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله نموذجاً يقتدي به في دولته , فقد كتب الشيخ العلامة أبو حفص معين الدين عمر بن محمود الاربلي سيرة عمر بن عبد العزيز لكي يستفيد نور الدين منها في ادارة دولته ولقد آتت معالم الاصلاح والتجديد الراشدي في عهد عمر بن عبد العزيز ثمارها في الدولة الزنكية , فقد اقننع نور الدين بأهمية التجارب الاصلاحية فى تقوية واثراء المشروع النهضوي وأهميته في ايجاد وصياغة الرؤية اللازمة في نهوض الأمة وتسلمها القيادة , فللتجارب التاريخية دور كبير في تطوير الدول وتجديد معاني الايمان في الأمة وكانت أهم معالم التجديد والاصلاح التي قام بها نور الدين محمود , الحرص على تطبيق الشريعة ولقد تحققت في دولة نور الدين محمود آثار تحكيم شرع الله , من التمكين والأمن والاستقرار والنصر والفتح المبين والعز والشرف وبركة العيش ورغد الحياة في عهده وانتشار الفضائل وانزواء الرذائل.
وكان نور الدين محمود قدوة في عدله , أسر القلوب وبهر العقول , فقد كانت سياسته تقوم على العدل الشامل بين الناس , وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتطبيق نجاحاَ منقطع النظير , حتى اقترن اسمه بالعدل وسمي بالملك العادل , وكان من أسباب نصر الله لهذا الملك العادل على الباطنية والصليبيين اقامته للعدل في الرعية وايصال الحقوق الى أهلها , فالعدل في الرعية وانصاف المظلوم يبعث في الأمة العزة والكرامة ويولد جيلاَ محاربا وأمة تحررت ارادتها بدفع الظلم عنها , وقد سجل التاريخ بأن نور الدين محمود ساد العدل في دولته , وتم ايصال حقوق الناس اليهم فنشطوا الى الجهاد والدفاع عن دينهم وعقيدتهم وأوطانهم وأعراضهم ومن أبرز أعماله التجديدية اقامته للعدل , وقد أولى نور الدين المؤسسة القضائية اهتماماَ كبيراَ وجعلها قمة أجهزته الادارية وخول القضاة على اختلاف درجاتهم في سلم المناصب القضائية صلاحيات واسعة , ان لم نقل مطلقة ومنحهم استقلالاَ تاماَ , لكونهم الأداة التنفيذية لاقرار مبادى الحق والعدل , وتحويل قيم الشريعة ومبادائها الى واقع ملتزم , وتوجت جهوده باٍنشاء دار العدل التي كانت بمثابة محكمة عليا لمحاسبة كبار الموظفين , واٍرغامهم على سلوك المحجة البيضاء, أو طردهم واستبدالهم بغيرهم إن اقتضي الأمر ولم يترك نور الدين في بلد من بلاده ضريبة ولامكساً ولاعشراً إلاورفعها جميعها من بلاد الشام والجزيرة وديار مصر وغيرها مما كان تحت حكمه وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أن نشط الناس للعمل, فأخرج التجار أموالهم ومضوا يتاجرون, وجاءت الجبايات الشرعية بأضعاف ما كان يجبى من وجوه الحرام, يقول ابن خلدون: العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم, وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها, وانقبضت أيديهم عن السعي في ذلك, وعلى قدر الاعتداء ونسبته, يكون انقباض أيديهم عن المكاسب, كسدت أسواق العمران وانتقصت الأحوال, ويقول: العدوان على الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم وأعراضهم يفضي إلى الخلل والفساد دفعة, وتنتقض الدولة سريعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق