Translate

الثلاثاء، 15 يناير 2013

الشورى في القضايا العامة


اهتم الملك العادل نور الدين محمود زنكي بالشورى, فقد رأى أهميتها في حيوية الأمة وأمنها واستقرارها والأهم من ذلك كله أن الله أنزل فيها سورة في القرآن الكريم حملت اسمها, وهو مبدأ أرشد إليه القرآن الكريم, وهو يمثل أرقى أشكال التعاون قال تعالى: " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وأَمْرُهمُْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " (الشورى, آية: 38).
كما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه بشكل لا يقبل التأويل في قوله تعالى " وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " (ال عمران, اية: 159).
قال الشاعر:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... برأي لبيب أو مشورة حازم
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة ... فإن الحوافي قوة للقوادم
وكان نور الدين زنكي يرى أن الشورى واجبة على الحاكم في الشريعة الإسلامية, وإلى هذا القول ذهب كثير من العلماء والفقهاء, فلا يحل للحاكم أن يتركها, وأن ينفرد برأيه دون مشورة المسلمين من أهل الشورى, كما لا يحل للأمة الإسلامية أن تسكت على ذلك , وأن تتركه ينفرد بالرأي دونها ويستبد بالأمر دون أن يشركها فيه فالأمة لاتنهض اٍلا اٍذا أخذت بفقه النهوض , والذي منه ممارسة الشورى في نطاقها الواسع , ولقد اعتمدها نور الدين محمود ولم ينفرد باتخاذ القرارات بل تبادل الآراء في كل أمور الدولة , فكان له مجلس فقهاء يتألف من ممثلي سائر المذاهب وأهل الاختصاص في شؤون الحياة يبحث معهم في أمور الادارة والنوازل والميزانية وثمة وثيقة قيمة يثبتها أبو شامة بنصها عن احدى المحاضر التي دونت بصدد عدد من قضايا الوقف والأملاك , كانت قد أدخلت ضمن أوقاف الجامع الأموي بدمشق وسعى نور الدين , الى فصلها واعادتها الى قطاع المنافع العامة وبخاصة مسائل الدفاع والأمن , وقد تمثلت في تلك الوثيقة بوضوح الرغبة الجادة لدى نور الدين الأسلوب الشوري الحر باعتباره الطريق الذي لا طريق غيره للوصول الى الحق, ففي تاسع عشر صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة أحضر نور الدين أعيان دمشق من القضاة ومشايخ العلم والرؤساء , وسألهم عن المضاف الى أوقاف الجامع بدمشق من المصالح ليفصلوها منها , وقال لهم: ليس العمل الا ماتتفقون عليه وتشهدون به , وعلى هذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يجتمعون ويتشاورون في مصالح المسلمين , ولايجوز لأحد منكم أن يعلم من ذلك شيئاَ الا ويذكره ولاينكر شيئاَ مما يقوله غيره الا وينكره , والساكت منكم مصدق للناطق ومصوب له , فشكروه على ما قال ودعوا له , وفصلوا له المصالح من الوقف , فقال نور الدين: ان أهم المصالح سد ثغور المسلمين وبناء السور المحيط بدمشق والفضيل والخندق لصيانة المسلمين وحريمهم وأموالهم ثم سألهم عن فواضل الأوقاف هل يجوز صرفها في عمارة الأسوار وعمل الخندق للمصلحة المتوجهة للمسلمين, فأفتى شرف الدين المالكي بجواز ذلك ومنهم من روّى في مهلة النظر , وقال الشيخ ابن عصرون الشافعي: لا يجوز أن يصرف وقف مسجد الى غيره , ولا وقف معين الى جهة غير تلك الجهة وإذا لم يكن بد من ذلك فليس طريقه إلا أن يقترضه من إليه الأمر من بيت مال المسلمين فيصرفه في المصالح ويكون القضاء واجباَ من بيت المال , فوافقه الأئمة الحاضرون معه على ذلك , ثم سأل ابن ابي عصرون نور الدين: هل أنفق شئ قبل اليوم على سور دمشق وعلى بناء ((بعض)) العمارات المتعلقة بالجامع المعمور بغير إذن مولانا؟ وهل كان إلا مبلغاَ للأمر في عمل ذلك؟ فقال نور الدين لم ينفق ذلك ولاشئ منه إلا بإذني وأنا أمرت به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق