إن اعادة الاعتبار للشورى وبناء قضايا الشورى وقواعدها على نحو متكامل فعال واستكمال مايلزم من ذلك من أجل مواجهة التطورات ومتطلباتها , كل ذلك يجد أسسه المرجعيه ومادته البنائية في الرصيد النظري والتطبيقي للمرحلة التأسيسية - النبوة والخلافة الراشدة - وفي قواعد الشرع ومقاصده وفي النظم والخطط التى عمل بها المسلمون عبر تاريخهم وفي مختلف دولهم ونقطة الانطلاق في تأسيس الشورى هو النظر إليها على أنها دين ووحي وشرع من الله تعالى , فهي جزء من الشريعة , بل قاعدة كبرى من قواعدها , فتطبيقها تطبيق للشريعة , وتعطيلها هو تعطيل للشريعة , ثم بعد ذلك هي الأداة الرئيسية - بعد الوحي - لتحقيق الهداية والسداد والرشاد في التصرفات الفردية والجماعية , فالمسلمون يهتدون ويترشدون بالوحي أولاً , وبالشورى ثانيا وفي ثناياهما وبعدهما أو معهما يأتي مطلق العلم والعقل وتأتي التجربة والاجتهاد وسواء تعلق الأمر بمقتضيات الوحي أوبمقتضيات الشورى فيما ليس وحياً , فإن المؤمنين موصوفون بأنهم " يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ " (الزمر , آية:18) تماماً مثلما هم موصوفون بأنهم "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وأَمْرُهمُْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " (الشورى , آية: 38).
إن مشاورة المسلمين في أمورهم العامة ومصالحهم المشتركة هو حق لهم لا يجوز غصبه منهم وإذا كان إشراك الناس أو من يقوم مقامهم في الشورى وفي تدبير أمورهم , هو حق من حقوقهم , فلا شك أن غصبهم هذا الحق وإسقاطه وتعطيله هو ظلم لهم وهذا الظلم يتفاقم ويتفاحش بعدد أصحاب الحق، وبقدر استمرار هذا الغصب وسيئ آثاره المتراكمة " فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر , آية: 2).
يقول ابن خلدون: ولا تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه من غير عوض ولا سبب , كما في المشهور , بل الظلم أعم من ذلك وكل من أخذ من ملك أحد أو غصبه في عمله أو طالبه بغير حق أوفرض عليه حق لم يفرض الشرع فقد ظلمه ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران. فالشورى المصدر الثاني لهداية الناس ورشدهم وصلاح أمورهم , بعد الوحي , وعلى أنها حق من حقوق المسلمين وأن غصبه وتعطيله هو من أعظم المظالم والمفاسد التي حاقت بالمسلمين , وأن تصحيح هذا الوضع وإعادة الشورى إلى نصابها هو أحد الشروط الضرورية وأحد المسالك الأساسية لكل إصلاح ونهوض ديني ودنيوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق