عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة , فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس , وكان من النفر الذين يدنيهم عمر وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا فقال عيينة لابن أخيه: ياابن أخي , لك وجه عند هذا الأمير , فاستأذن لي عليه , قال فأستأذن لك عليه: قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة , فأذن له عمر , فلما دخل عليه قال: هِيْ ياابن الخطاب , فو الله ماتعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل , فغضب عمر حتى هم به فقال له الحر: يا أمير المؤمنين , إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم "خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ" وإن هذا من الجاهلين والله ماجاوزها عمر حين تلاها عليه وكان وقافاً عند كتاب الله.
من العبر والدروس والفوائد من هذا النص:
أ بعض صفات أهل الشورى , كالعلم والحلم , والنصح والتنبيه لولي الأمر.
ب-أن المستشار - وغيره من أهل البطانة - يكون في خدمة عامة الناس , ويكون همزة وصل - لاهمزة قطع - بينهم وبين ولاتهم.
ج- ومنها أن المستشار يلتمس الأعذار والمخارج للناس من إساءتهم وسوء أدبهم ويدفع الأمير إلى التجاوز والعفو عنهم , بدل دفعه إلى معاقبتهم والانتقام منهم.
س- ومنها أن هذا العفو وعدم الزجر ولا العقوبة , يشجع عامة الناس على الكلام , وعلى تقديم شكاويهم وملاحظاتهم وانتقاداتهم ونصائحهم دون رعب أو خوف , مع العلم أن سوء الأدب سيزول إذ قُوبل بحسن الأدب قال تعالى:"إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ" (هود , آية: 114).
وتشجيع الناس على الحرية والصراحة - ولو مع قلة أدب أحياناً - أولى من تشجيعهم على التملق والنفاق.
ش- ومنها أن عمر رضي الله عنه كانت له مجالس للشورى , وكان أهلها وأعضاؤها من أهل العلم كهولا وشباباً.
ك- ومنها أن عمر كان يختار بطانته من الناصحين المخلصين ويُدنيهم ويحيط نفسه بهم.
ل- ومنها أن الأمير يقبل من مستشاره وناصحه , بلا تردد ولا تمنع ولا تكبر , خاصة إذا كانت نصيحته له ونابعة من كتاب الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق