ثانياً: الشورى في المجال العام في القرآن الكريم:
إذا ثبتت الشورى ولزمت القضايا الخاصة والحياة الخاصة للفرد مع نفسه، وللفرد مع مثله من الأفراد وثبتت ولزمت للزوج مع زوجه والأب مع أبنائه، فكيف تكون ضرورتها وأولويتها في الشؤون العامة والقضايا الكبرى؟
جواب ذلك وبيانه في آيتي الباب وعمدته.
وهي في سياق قوله تعالى: "فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ َتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " (الشورى, آية: 36 - 38).
وهناك دلالات لطيفه لقيمه الشورى في الإسلام، في ضوء تفسير هذه الآية منها ما يلي:
- فالآية وردت في سورة تحمل اسم الشورى وهي سورة الشورى وتسمية إحدى سور القرآن الكريم باسم الشورى هو في حد ذاته تشريف لأمر الشورى وتنويه بأهميتها ومنزلتها.
- جاءت الشورى في هذه الآية وصفاً تقريرياً، ضمن صفات أساسية لجماعة المؤمنين المسلمين، فهم بعد إيمانهم متوكلون على ربهم، مجتنبون لكبائر الآثام والفواحش، مستجيبون لأمر ربهم، مقيمون لصلاتهم، وأمرهم شورى بينهم ويزكون أموالهم وينفقون منها في سبيل الله.
- وهي آية مكية مما يدل على أن الشورى في الإسلام ممارسة اجتماعية قبل أن تكون من الأحكام السلطانية.
- وهي نصف حال المسلمين في كل زمان ومكان، فهي ليست طارئة ولا مرحلية، ولقد جعل الله سبحانه احترام الشورى من أثمن خصال المؤمنين وصفاتهم.
- وهي تجعل جميع أمر المسلمين، فيما لم ينزل فيه وحي، شورى بينهم، فهي حق لهم جميعاً، إلا ما كان من شأن أهل العلم والتخصص فإن المؤمنين يحملهم إيمانهم أن يردوا ما أشكل عليهم إلى من يعلم كيف يستنبط الأحكام من النصوص.
- وقد انتبه عدد من العلماء إلى وقوع هذه الآية الكريمة "وأمرهم شورى بينهم"، كصفة من ضمن صفات تعدُّ من المقومات والأركان الأساسية في الدين وهو ما يعني أنها واحدة من تلك الفرائض والأركان وقال تعالى "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصَّلاة وأمرهم شورى بينهم وممّا رزقناهم ينفقون" يدل على جلالة موقع المشورة لذكره، لها مع الإيمان وإقامة الصلاة ويدل على أنهم مأمورون بها.
2 - الآية الثانية: "وشاورهم في الأمر":
وقد وقعت خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق قوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " (آل عمران، آية: 159).
وهذه الآية جاءت خطاباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته داعياً وهادياً، ومرشداً مربياً وأميراً قائداً، وهذا ما يقتضيه أن يكون رفيقاً بالناس متلطفاً معهم رحيما لهم عفواً، عنهم متسامحاً معهم، بل مستغفراً لهم في أخطائهم وذنوبهم ومستشيراً لهم مراعياً لآرائهم. وهذا الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم الله بمشاورة أصحابه هو أمر لكل من يقوم مقامة من الدعاة والقادة والأمراء، بل إن العلماء والمفسرين يعتبرون أن هؤلاء مأمورون من باب أولى وأحرى، فهم الأحوج إلى هذا الأمر وبفارق كبير جداً عن رسول الله.
ومن هنا عُدّت هذه الآية قاعدة كبرى في الحكم والإمارة وعلاقة الحاكم بالمحكومين، فالشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستثير أهل العلم والدين - وأهل التخصص في فنون العلوم - فعزله واجب وهذا ما لا خلاف فيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق