يمكن الاستفادة من الخبرات
المتعلقة بالنظم الديمقراطية, كمنهج إجرائي وليست كعقيدة, بمعنى أنها منهج القرارات
العامة المتعلق بمصالح أفراد المجتمع منهج يشير إلى ضرورة التعايش مابين الأفراد ولو
اختلفوا في الدين والعرق واللون, وأن يركزوا على فوائد الديمقراطية, كمنهج وآلية لفرز
الصالح وطرح الفاسد والمتسلط والأناني لا أن ننظر إلى ما طرحه ميكا فيللي حيث أشار
إلى أن الحكومات يجب ألا تكون تحت القيود الأخلاقية مثل الأفراد, لأنها لا تستطيع ذلك,
أو دعوى أن الوسيلة تبرر الغاية, وجعل الذرائعية المتلخصة في قيمة الفكرة مدخلاً لقبول
كل شيء , ولا شك أن الدول الإسلامية ملزمة
دينياً, أن تنص على أن كل ما يتناقض مع الإسلام فهو باطل وغير دستوري, وغير قابل للتنفيذ
ففي أي مجتمع إسلامي يتكون من أفراد مسلمين, لا يتصور أن ينعقد بالأغلبية أو الأكثرية
على تحريمهم ما أحل الله, أو تحليلهم ما حرم الله, ولو حدث هذا فلن ينعقد كدليل أو
إثبات شرعي وذلك لسببين, هما:
- ... أن الأصل في التحريم
والتحليل أنه حق خالص لله عز وجل وبالتالي لا يملك أحد من المسلمين جماعة أو فرداً
أن يتولى هذا الحق.
- ... ولو حدث هذا فرضاً في
مجتمع مسلم, فالقول الشرعي أن هذا الاجتماع أو الحصول على أغلبية الأصوات في حكم يخالف
الشريعة لا يُعتد به لأمرين:
- ... أن الأحكام الشرعية
لا تعقد في مثل هذه المجالس إذ أن الأصل في مناقشات الأحكام الشرعية أن تؤخذ من أصحابها
وليس من النواب أو البرلمانيين أو أعضاء المجالس النيابية, فهم رُشحوا أو اختيروا من
أجل إصلاح أوضاع الناس السياسية والاقتصادية, لا العمل على تغير الأحكام الشرعية.
- ... ولو حدثت هذه الأغلبية
فرضاُ في مجتمع مسلم باسم الديمقراطية, فهذا لا يتعدى أن يكون إجماعاً سياسياً أو استفتاء
الرأي العام الشعبي, لا إجماعاً شرعياً والفرق بينهما كبير.
ولو كانت الأغلبية البرلمانية
تريد أن تغير من أحكام الشريعة فإنها كذلك لا تستطيع, لأن, أغلبية لا تستطيع في ظل
الحكومة الإسلامية أن تتعدى حكماً شرعياً, على حين أنه لاتوجد حدود شرعية في الحكومة
غير الإسلامية لدرجة إباحة الزنا بل الشذوذ وهو ما لا يُطرح أساساً للبحث في إطار الدولة
الإسلامية مادام هناك نص .
وبالتالي فالخوف من تغير الأحكام
القطعية في الشرائع أو المعتقدات لا يكون, لأن ذلك سيخالف الدستور المجمع عليه عند
كافة الفئات والأحزاب في الدولة, ولاعتبار أن الشعب هو مصدر السلطات, وبما أن الشعب
اتفق على هذا الدستور وأقره, فالأصل أن لا يخرج عنه قيد أنملة, وإلا لم تكن هذه الديمقراطية
ما يبحث عنها الفرد في مجتمعه, إذا كانت تخالف دينه ومعتقداته وتراثه وأعرافه, ولأن
الشورى بذاتها وأصولها عند علماء المسلمين, لم تكن مطلقه العنان بل كانت مقيدة بضوابط
وأصول من أهمها قول الله تعالى:" فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللّهِ وَالرَّسُولِ " (النساء, آية: 59).
فإذا كان هذا حال الشورى,
فمن باب أولى أن تكون الديمقراطية التي يريد المسلمون تطبيقها مقيده بدستور وأصول تعاملية
وهذا لن يتحقق إلا بشرطين:
أ ... قبول مجتمعي لمبدأ المساواة
السياسية بين المواطنين فلا سيادة لفرد أو عائلة أو حزب على الناس, كما قال عمر بن
الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً , وهذا يتحقق لكافة المواطنين داخل الدولة الإسلامية
أو خارجها , للمسلمين أو لغير المسلمين، وهذا ما يعبر عنه بالمواطنة، أي لكل مواطن
حقوق وواجبات، وهي حقوق وواجبات متساوية أمام القانون، وتعتبر المساواة في الحقوق والواجبات
حصانه من انفلات شعبي ضد السلطة، أو قيام حرب أهلية أو تناحر فئوي داخل المجتمع الواحد
في حال ضياع حقوق فئة دون أخرى , أو جماعة دون أختها , وبهذا الشرط يمكننا حصر الاختلاف
الطائفي والعرقي داخل المجتمع الواحد .
ب ... التواصل إلى صيغة دستور
ديمقراطي يُراعي اعتبارات مختلف الجماعات وشروط انخراطها في الممارسة الديمقراطية وبهذا
الدستور يمكن التحكم برغبات وتحكمات الأفراد والأحزاب داخل الدولة بناءً على هذا الدستور
المتفق عليه, بل ستكون كل القرارات والقوانين الصادرة عن السلطات في الدولة خاضعة له,
وهو الذي يضمن حقوق وحريات كافة المواطنين, مع وضع قيود دستورية لكل ممارسات السلطة,
لابد أن يحوي الدستور الديمقراطي مبادئ منها:
- ... سيطرة أحكام الشريعة
الإسلامية.
- ... لا سيادة لفرد ولا لقلة
على الشعب.
- ... عدم الجمع بين السلطات.
- ... ضمان الحقوق والحريات
العامة.
- ... تداول السلطة.
وبهذا نضمن الحقوق والحريات
لكافة المواطنين بكافة أنواعها ومجالاتها الحياتية ضمن إطار الشريعة الإسلامية العظيمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق