Translate

الأحد، 6 يناير 2013

الشورى في عهد الصديق


رابعاً: الشورى في عهد الصديق:
كانت الشورى مكثفة في هذه المرحلة، وكانت تشمل عظائم الأمور وصغارها، من قضايا الأمة في السلم والحرب، والخلافة والتشريعات العامة، إلى نوازل الأفراد في زواجهم وطلاقهم وميراثهم، ومنازعتهم حول البئر والنخلة، والناقة، وأهم شيء في هذه المشاورات المكثفة هو أنها كانت تحقق جوهرها ومقصودها على أكمل الوجوه، ثم لا يُلتْفتُ كثيراً لما سوى ذلك، ويمكن أن نلخص طبيعة مشاوراتهم بعبارة: الشورى بمقاصدها لا بشكلياتها، فلم يكن عندهم كبير التفات إلى من استشير ومن لم يُستشر، وإلى من حضر ومن غاب، إذا كان الذين استشيروا أهلاً لتلك المشورة، وكان من غاب عنها لا يضر غيابه، ولم يُقصد تغييبه ولم يكن عندهم كبير التفات إلى عدد المستشارين في القضية، وهل هم آحاد، أو عشرات أو مئات، إذا كان من استشيروا يقومون مقام غيرهم ويعبرون بصدق عن آرائهم ومصالحهم.
ولم يكن عندهم كبير التفات وتدقيق في عدد الذين أيدوا والذين عارضوا، إذا ظهر بوضوح التوجه العام الغالب في المسألة أو حصل فيها نوع من التراضي والتطاوع والتسامح وإذا خالفهم أحد منهم ثم رأوا في لهجته صدقاً وفي حجته قوة ووثوقاً، لم يلبسوا أن يضعوا ثقتهم في صدقة وعلمه وما يعرفونه من خبرته وحسن تقديره، فينقلب رأي الواحد المنفرد إلى إجماع أو شبه إجماع.
وكانت المشاورات تتم في جو من الحرية والأمن والجرأة؛ فلا أحد يحابي أحداً ولا أحد يخادع أحداً ولا أحد يخاف من أحد، ولا أحد يطمع في أحد.
في هذه الأجواء، وبهذه السمات لم تكن شوراهم بحاجة إلى قوانين معضلة وإلى ضوابط مدققة، ولا إلى ضمانات واحتياطات، فالتعقيد التنظيمي حين لا يكون ضرورياً يصبح عبثاً وعائقاً، أو على الأقل، قد تكون كلفته أكثر من فائدته لقد كانت الشورى في التجربة الإسلامية الأولى خفيفة في تنظيمها وطرق إجرائها، ولكنها كانت ثقيلة بجديتها وأخلاقيتها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق