Translate

السبت، 22 ديسمبر 2012

نظام الوزارة

لفظ الوزارة معروف عند العرب قبل الإسلام، وقد ورد في القرآن الكريم في موضعين، هما قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه: 29]
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35] 
كما أنه ورد في عدة مواضع من السنة النبوية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك، جعل له وزير سوء، إن نسى لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه» 
وفي أقوال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في السقيفة، في كلامه للأنصار رضي الله عنهم حيث قال: (نحن الأمراء وأنتم الوزراء) 

ولكن الوزارة لم تعرف بشكلها الذي يعني معاونة الخليفة في تصريف وشؤون الدولة إلا في العصر الأموي، الذي كانت الدولة الإسلامية فيه تشكل رقعة كبيرة من العالم، حيث تحدها الصين شرقا، وجبال البرانس " شمال أسبانيا " غربا، فكان من البديهي أن يكون إلى جانب الخليفة من يساعده في تصريف شؤون الدولة، إذ ليس من المعقول أن يشرف الخليفة بنفسه على كل كبيرة وصغيرة، إلا أن هذا المنصب لم يوجد في هذا العصر بشكله المنظم الذي عرف فيما تلاه من العصور، وحتى المصطلح؛ الذي يطلق على من يعمل في هذا المنصب، وهو مسمى الوزير لم يطلق على من يقوم بمهام هذا المنصب، بل كان يسمى كاتبا أو مشيرا، والوزارة لم تنظم قواعدها إلا في عهد الدولة العباسي حيث تقررت قوانين الوزارة، وسمي الوزير وزيرا، ويعتبر أبو سلمة الخلال حفص بن سليمان أول وزراء الدولة العباسية، أي أنه أول من تولى الوزارة بعد تنظيم قواعدها، وتطورت الوزارة في العهد العباسي، حيث أضيفت إليها الكتابة، أي كانت وظيفة تابع للوزارة فالكاتب تبع الوزير، وقد يرقى الكاتب إلى رتبة وزير.
ويقسم علماء السياسة الشرعية الوزارة إلى قسمين: وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ:
1 - فوزير التفويض يباشر الحكم وينظر في المظالم، وليس ذلك لوزير التنفيذ.
2 - ولوزير التفويض الاستقلال في تقليد الوزراء، وليس ذلك لوزير التنفيذ.
3 - ويقوم وزير التفويض بمهمة تسيير الجيوش وتدبير الحروب، دون وزير التنفيذ.
4 - ويتصرف وزير التفويض في أموال الدولة العامة بقبض المستحق ودفع الواجب دون وزير التنفيذ.
5 - يحدد علماء السياسة الشرعية شروطا لوزير التفويض هي: الحرية والإسلام، والعلم بأحكام الشرع، والمعرفة بأمور الحرب والخراج، وهذه الشروط غير معتبرة في وزير التنفيذ.
وعندما نشأ هذا الوضع الدستوري في الدولة الإسلامية وهو وجود الخليفة مع تفويض اختصاصاته إلى رجل آخر يسمى وزيرا، وليس وزيرا بالمعنى المعروف وإنما قائم عن الخليفة أو نائب له، سموا من تكون هذه صفته وله هذه الاختصاصات بوزير التفويض؛ تفريقا له عن الوزير العادي، أو من سموه بوزير التنفيذ، والذي حدد عمله في مهمة معينة، ومن وزراء التفويض في الدولة العباسية يحيى بن خالد حين قلده هارون الرشيد شؤون الدولة، حيث قال له: " وقد فوضت إليك أمر الرعية، وخلصت ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فول من رأيت واعزل من رأيت "

وتشبه وزارة التفويض هذه منصب رئيس مجلس الوزراء في العصر الحديث.
ثم إن الدولة العباسية كذلك، عرفت نظام اللامركزية في نظام الوزارة، وذلك من خلال وجود وزراء في الأقاليم يتبعون لوالي الإقليم كما يتبع وزراء الدولة للخليفة.
وتطورت الوزارة في الدولة الإسلامية، فنجد مثلا في الأندلس أن معنى الوزارة مطابق لمعناها المعروف في العصر الحديث، حيث يستقل الوزير بمرفق من مرافق الدولة مع وجود رئيس للوزراء يسمى حاجبا 

فنظام الوزارة في الدولة الإسلامية - بتطوره الذي مر - يعتبر من الوقائع الدستورية المستجدة في العهود الإسلامية بعد عصر الخلافة الراشدة، وهو يدخل ضمن نطاق الوقائع الدستورية بمعنى الدستور الخاص أو الفني التي تعتبر أحكاما متغيرة تتغير بتغير الزمان والمكان، وقد تكون عرفا دستوريا في بعض العصور.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق