Translate

السبت، 22 ديسمبر 2012

المكاتبات والعهود مع القبائل العربية حتى صلح الحديبية

3 - المكاتبات والعهود مع القبائل العربية حتى صلح الحديبية: تعتبر المعاهدات بين دولتين أو أكثر أو بين دولة وطرف آخر من الأمور الدستورية، كما هو مستقر في القانون الدستوري المعاصر.

ففي الدولة الإسلامية الأولى، سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال العام الأول للهجرة إلى إقرار الأمن والنظام في المدينة، وبعد أن نجح في ذلك توجه نظره خارج المدينة، حيث قريش عدو الإسلام الأول، فكان أن بدأ بإعلان قريش عدوا لدولة المدينة وحرم أي تعامل معها، حيث بدأ بإرسال سلسلة من الحملات العسكرية غرضها قطع الطريق، على قوافل مكة وهي في طريقها من الشام، وبالإضافة إلى ذلك سعى إلى عزل قريش سياسيا، وذلك بعقد معاهدات دفاعية مع القبائل المحيطة بالمدينة، والتي تخترق قوافل قريش أراضيها، فكسبت الدولة الإسلامية إلى جانبها في السنوات الأولى من الهجرة، عددا من القبائل وهي بني ضمرة  وجهينة وخزاعة وغفار وأسلم وتضمنت هذه المعاهدات نصوصا بعدم الاعتداء من أي طرف على آخر، والأمن على الأنفس والأموال.
ومن تلك المعاهدات، معاهدة بني ضمرة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار في أول غزواته حتى بلغ ودان وهي غزوة الأبواء  يريد قريشا وبني ضمرة، فوادعته قبيلة بني ضمرة، وكان الذي عاهده منهم سيدهم مخشى بن عمرو الضمري  وكتبت هذه المعاهدة على شكل كتاب جاء فيه (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من دهمهم بظلم وعليهم نصر النبي، ما بل بحر صوفه  إلا أن يحاربوا في دين الله، وأن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله ولهم النصر على من بر منهم واتقى)
هذا الكتاب يقر أمورا دستورية هي: الأمن على الأموال، والأنفس، والنصر في مواجهة العدو، ونصر هؤلاء الحلفاء في حالة الاعتداء عليهم وهو ما يسمى اليوم بمعاهدة الدفاع المشترك، أو الحلف الدفاعي.
ومن المعاهدات المهمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية، الذي حدث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش، وذلك حين قدم من المدينة معتمرا، لا يريد حربا، وساق معه الهدي، لكن قريشا ذعرت من هذا الزحف المباغت من المسلمين، وفكرت بجد في منع المسلمين من دخول مكة مهما كلف الأمر؛ لأنها رأت أن دخول المسلمين مكة واعتمارهم بعد كل ما وقع بينهم من حروب ودماء سيؤدي إلى نزع مهابتها من قلوب الناس، وفي الوقت نفسه عرفت قريش أن قتالها للمسلمين لردهم عن البيت ليس لها فيه حجة أمام نفسها وأمام أحلافها، لا سيما وأن المسلمين لا يريدون حربا؛ لذلك سيرت قريش الوسطاء يفاوضون الرسول صلى الله عليه وسلم لعلهم ينتهون معه إلى مخلص من هذه الورطة إلى أن انتهى الأمر بأن بعثت قريش سهيل بن عمرو حيث تكلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأطال الكلام وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلح، وتم بعد ذلك تدوين المعاهدة بين المسلمين وقريش، يمثل الدولة الإسلامية قائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمثل قريش سهيل بن عمرو وكانت صيغة المعاهدة المتفق عليها ما يلي:
(هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه: وأن بيننا عيبة مكفوله وأنه لا إسلال ولا إغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وإنك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب، والسيوف في القرب لا تدخلها بغيرها.
يستنتج من هذه المعاهدة وضوح الرؤية السياسية لدى الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أتى أمرا قد يرى في ظاهره مخالفة للتوجه الديني، والدليل أن بعض الصحابة قد دهش لملاينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأعدائه وكان الأولى القسوة، ثم إنه لم يستشر أصحابه في شأن المعاهدة، ولكن بعد نظر الرسول صلى الله عليه وسلم وترجيحه للمصلحة الأكبر وامتثاله لأمر ربه، حيث أوحى الله إليه بفعل ذلك، كل ذلك جعله يدرك أن هناك مصلحة، وإن لم تدرك في الحال، كما يستفاد من الحادثة أن الحاكم المسلم إذا رأى في أمر معين ترجيحا للمصلحة ودرءا للمفسدة، فإن عليه أن يتخذ قرارا بما يوافق المصلحة، ومما لا شك فيه أنه ليس هناك إصابة لعين المصلحة أو المفسدة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يكون الحكم على غلبة الظن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق