المعنى الشكلي للدستور برز نتيجة لانتشار حركة تدوين الدساتير التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1778م ثم دستور الثورة الفرنسية سنة 1791م وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير في بقية بلاد العالم، وتأثرت البلاد الإسلامية بهذه الحركة في وقت مبكر فكانت التجربة التونسية سنة 1861م ثم العثمانية سنة 1876م، ثم أصبحت عملية إصدار دستور مكتوب من التقاليد السياسية شبه المستقرة لمعظم الدول الإسلامية، ومع توالي ظهور الدول الإسلامية في العصر الحديث منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم توالى إصدار الدساتير في هذه الدول، فكان الدستور المصري الصادر عام 1923 ثالث دستور مكتوب، بعد الدستورين التونسي والعثماني، وسوف نستعرض بإيجاز بداية حركة تدوين الدساتير في البلاد الإسلامية ممثلة في التجربتين التونسية والعثمانية، ثم نستعرض بعد ذلك التجربة الدستورية السعودية مبينين خصائصها وتفردها عن بقية التجارب في البلاد الإسلامية في العصر الحديث.
1 - الدستور التونسي: يعتبر تدوين الدستور التونسي بداية حركة تدوين الدساتير في الدول الإسلامية في العصر الحديث وكان ذلك عام 1861م، وهو الدستور الذي أصدره الباي محمد الصادق وقد صدر بعد تزايد تدخل الدول الأوروبية في شؤون تونس وكانت حينذاك خاضعة اسميا للدولة العثمانية، ويذكر بعض الباحثين أن فرنسا ساهمت بشكل مباشر في وضع هذا الدستور عن طريق قنصلها في تونس، كما أن الباي قد عرض مسودة الدستور على نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، وقد نص الدستور على وجوب الاهتداء بالشريعة الإسلامية تأسيسا على أن الإسلام هو الدين الرسمي لتونس وأن الباي والسكان مسلمون ويتبين من ملابسات إصدار هذا الدستور أنه كان نتيجة للنفوذ الأوروبي كما أن مضمونه كان متأثرا بالدساتير الأوروبية ولن نتوسع في الحديث عن هذا الدستور؛ لأن الحديث في الفقرة التالية سوف يكون عن الدستور العثماني الذي تتشابه ظروف إصدارة مع إصدار الدستور التونسي كما أن تونس كانت في ذلك الوقت تحت السيادة العثمانية ولو كان ذلك اسميا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق