Translate

السبت، 19 يناير 2013

المرأة والشورى

ومما يدل على جواز مشاركة المرأة في الشأن العام قوله تعالى: " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبة، آية: 71).

ويرى العلامة الأستاذ علال الفاسي أن الآية الكريمة: قد أثبتت الولاية المطلقة للمؤمنات كما أثبتتها للمؤمنين، وتدخل فيها ولاية النصرة، كما يدخل فيها الحضور في المساجد والمشاهد ومعارك الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم أضاف رحمه الله: وقد نص القرآن على التشاور بين الرجل وزوجته في شؤون الزوجية فقال: " فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا " (البقرة، آية: 233).
وإذا كانت الشورى مطلوبة لهذا الحد في أمر الأسرة، فما بالك بأمر الأسر الكبرى وهي الأمة والدولة، وكما أن الشارع لم يحرم نصف الأسرة ـ الذي هو المرأة ـ من حق الشورى.
وفي قوله تعالى " وأَمْرُهمُْ شُورَى بَيْنَهُمْ " (الشورى، آية: 38) فقوله أمرهم، شاملة الرجال والنساء معاً، ولا مجال لحصر ذلك على الرجال دون النساء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال".

فالرجل والمرأة في الحقوق تجاه المجتمع والدولة على السواء، فكما يحق للرجل الترشيح لعضوية مجلس الشورى يحق للمرأة كذلك الترشيح ودخول مجلس الشورى، ولا اعتبار أن المشاركة السياسية التي تقوم بها المرأة هي أفعال قانونية وشرعية تهدف للتأثير على الآخرين أو أفعالهم. والأدلة التي تشير إلى دخول المرأة واجهة العمل السياسي وإبداء رأيها في الأمور العامة كثيرة منها ما رواه البخاري، عن استفادة النبي صلى الله عليه وسلم من رأي زوجته أم سلمة في مصلحة عامة، ففي صلح الحديبية حيث جاء فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "قوموا فانحروا، ثم أحلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها من لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك، أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بُدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما.
وفيه دليل على جواز أن يستشير المرأة الفاضلة العالمة الحكيمة، وكان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قريبة تسمى الشفا بنت عبد الله العدوية يستشيرها وقد كلفها بالإشراف على السوق.

وكانت المرأة تقف في وجه الخلفاء وتعترض على آرائهم ويقبل الخلفاء لهذه المشاركة السياسية من ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: " وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناًً" (النساء، آية: 20)، فقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ألا لا تغالوا في صدقات النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق قط امرأة من نسائه ولا بناته فوق إثنتي عشرة أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا أليس الله سبحانه وتعالى يقول: "وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً" فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر، وفي رواية فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقه منك يا عمر، وفي أخرى: امرأة أصابت ورجل أخطأ.
ـ وقد ورد في حق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كان يستشير النساء في الأمر، حتى أنه كان يستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء، يستحسنه فيأخذ به.
وكانت السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، تفتي بأمور النساء، بل في أمور الدين والدنيا، وكان لها آراء في المصالح العامة، حتى قال ابن حزم 456هـ أنه يمكن أن يجمع من فتوى عائشة سفر ضخم، وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وكانت ذا رأي قوي في الشؤون العامة

ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل آراء الناس، من رجال ونساء معاً، فهذه المرأة التي جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: تقول له: ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء، فنزل قوله تعالى: "إنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسلِماتِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِقِينَ وَالمُتَصَدّقَاتِ وَالصَّآئِمِينَ وَالصَّآئِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أعَدَّ الله لهُم مَّغْفِرةً وأجْراً عَظِيماً" (الأحزاب، آية: 35). إلا دليل على مدى الحرية التي امتازت بها المرأة في عهد النبوة في إبداء رأيها أمام رئيس الدولة.
ويرى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن المصلحة الاجتماعية تقتضي مشاركة المرأة في أعمال هذه المجالس، وأن القوامة قررت في الحياة الزوجية وحديث أبي بكرة قوله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، في الولاية العامة، أي رئاسة الدولة، أما بعض الأمر فلا مانع لذلك كالقضاء والفتوى، وقد أجاز ذلك بعض الفقهاء مثل ابن حزم مع ظاهريته، وهذا يدل على عدم وجود دليل شرعي صريح يمنع من توليها القضاء إلا لتمسك به ابن حزم وجمد عليه، وقاتل دونه كعادته.
ـ ومما قصه علينا القرآن الكريم: حالة المرأة وهي تستشير غيرها، وحالة المرأة وهي تشير على غيرها وكل ذلك في سياق التنويه والإقرار والرضى.
فأما الحالة الأولى: ففي قوله تعالى عن ملكة سبأ "قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ" (النمل، آية: 29 ـ 35).
وأما الحالة الثانية: فقول إحدى المرأتين الأختين لأبيهما عن موسى عليه السلام: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص، آية: 26)، وقد نجم عن هذه المشورة السديدة خير كثير.,
إن الأصل في استخلاف الإنسان، أنه يشمل الرجال والنساء معاً، والعمل السياسي هو بذاته عمل صالح إذا كانت النية خالصة في هذا، وكان فيه فائدة المسلمين وللبشرية بصورة عامة لقوله تعالى: " فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ " (آل عمران، آية: 195).
ـ وقال تعالى: " مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " (النحل، آية: 97).
بل إن النص القرآني واضح في أن المرأة مطلوب منها العمل على جلب المعروف في نفسها ومجتمعها، فقد قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (الممتحنة، آية: 12).
والشورى من العمل السياسي، بل هي من صميمه والمرأة مطالبة به، كما أن الرجل مطالب به، فقوله: "وأمرهم شورى بينهم" والنص يشمل مدح الرجال والنساء معاً، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله يؤيد هذا الحق العام للنساء، فقوله أشيروا علي أيها الناس، والنساء كالرجال تدخل لفظة الناس وفعله في استشارة زوجته أم المؤمنين أم سلمة لدليل قوي على ذلك، وفي رواية أخرى ما يشير إلى ذلك بقوة، فعن أم سلمة: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض ولم أسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان يوماً من ذلك والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس، فقلت للجارية إستأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء فقلت إني من الناس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق