Translate

الاثنين، 7 يناير 2013

الحجر الصحي


خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشام، قال ابن عباس: فقال عمر: أدع لي المهاجرين فدعاهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجنا لأمر ولا نرى أن نرجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: أدع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: أدع لي من كان هنا من مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر رضي الله عنه: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك: إبل هبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً في بعض حاجته فقال: إن عندي في هذا علماً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال: فحمد الله عمر ثم انصرف.
وفي مشورة عمر رضي الله عنه أصحابه في هذه الحادثة فوائد منها:
- حرص ولي الأمر على مصالح المسلمين العامة وعدم إقدامه على إتخاذ قرار لم يتبين له فيه وجه الصواب لما في ذلك من المخاطرة بالمسلمين.
- مشاورة كل من أمكن حضوره من أهل الحل والعقد لما في ذلك من تمحيص الآراء والوصول إلى رأي مفيد عن طريق قدح عقول كثيرة - وهذا موضع الشاهد من القصة.
- جواز اجتماع ولي الأمر برعيته على فئات متجانسة كما فعل عمر رضي الله عنه هنا حيث قسمهم إلى ثلاث فئات: فئة الأنصار، وفئة المهاجرين، وفئة مشيخة قريش، من مهاجرة الفتح، لأنه كلما كان العدد المشاور أقل كان النقاش أوسع لسعة الوقت.
- الاستئناس برأي كبار السن ذوي الرأي والتجربة.
- الاستئناس بالرأي الموحد، كما استأنس عمر برأي مشيخة الفتح لعدم اختلافهم.
- فتح الباب لمن أراد أن يستفسر لإزالة شبهة عنده ولو كان ولي الأمر قد انتهى إلى الأخذ بأحد الآراء، لأن إزالة الشبه من نفوس الرعية تأليفاً لقلوبهم واطمئناناً يجعلهم يشاركون إخوانهم في الرأي وتنفيذه، كما أنه ينبغي أن يكون عند ولي الأمر القدرة على إيراد الحجج المقنعة ولكن ذلك لا يبيح للرعية أو بعضهم أن يقفوا موقف المعارضين، لما تم التوصل إليه من الشورى وبعد عزم ولي الأمر على انفاذه " فإذا عزمت فتوكل على الله".
- أن الله تعالى يوفق ولي الأمر ورعيته للصواب إذا أخلصوا في مشاورتهم وقصدوا المصلحة العامة.
- أن أهل الشورى مهما كثروا قد يغيب عنهم الدليل على المسألة من الكتاب أو السنة، ولو كانوا علماء مجتهدين مع وجوده عند من غاب من مجلسهم كما دلت على ذلك تلك المناقشة الطويلة ولو كان عند أحدهم دليل لذكره ولما كان هناك حاجة للمناقشة، حتى جاء عبد الرحمن بن عوف فذكر الدليل فحمد الله عمر على موافقته .
ويؤخذ من هذا أنه يجب على ولي الأمر أن يحرص على الإكثار من العلماء في مجلس شوراه، لما في ذلك من إمكان استحضار بعضهم الدليل الذي يغني عن الشورى ويقطع الطريق من أول الطريق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق