Translate

الاثنين، 7 يناير 2013

توسع نطاق الشورى في عهد عمر بن الخطاب

توسع نطاق الشورى في خلافة عمر رضي الله عنه لكثرة المستجدات والأحداث، وامتداد رقعة الإسلام إلى بلاد ذات حضارات وتقاليد ونظم متباينة، فولدت مشكلات جديدة احتاجت إلى الاجتهاد الواسع مثل معاملة الأرض المفتوحة، وتنظيم العطاء وفق قواعد جديدة لتنفق أموال الفتوح على الدولة، فكان عمر يجمع للشورى أكبر عدد من الصحابة الكبار، وكان لأشياخ بدر مكانتهم الخاصة في الشورى، لفضلهم وعلمهم وسابقتهم، إلا أن عمر رضي الله عنه أخذ يشوبهم بشباب، فإنهم على دربهم ماضون والدولة لابد لها من تجديد رجالاتها، وكان عمر العبقري الفذ قد فطن إلى هذه الحقيقة، فأخذ يختار من شباب الأمة من علم منهم علماً وورعاً وتقى، فكان عبد الله بن عباس من أولهم، وما زال عمر يجتهد متخيراً من شباب الأمة مستشارين له متخذاً القرآن فيصلاً من التخير حتى قال عبد الله بن عباس: وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، وقد قال الزهري لغلمان أحداث: لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم. وقال محمد بن سيرين: إن كان عمر رضي الله عنه يستشير في الأمر، حتى إن كان ليستشير المرأة فربما أبصر في قولها الشيء يستحسنه فيأخذه، وقد ثبت أنه استشار مرة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، وقد كان لعمر رضي الله عنه خاصة من علية الصحابة وذوي الرأي، منهم العباس بن عبد المطلب وابنه عبد الله وكان لا يكاد يفارقه في سفر ولا حضر، وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب.

ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب وزيد بن ثابت، ونظراؤهم، فكان يستشيرهم ويرجع  إليهم.
وكان المستشارون يبدون آراءهم بحرية تامة وصراحة كاملة، ولم يتهم عمر رضي الله عنه أحداً منهم في عدالته وأمانته وكان عمر رضي الله عنه يستشير في الأمور التي لا نص فيها من كتاب أو سنة، وهو يهدف إلى معرفة إن كان بعض الصحابة يحفظ فيها نصَّا من السنة، فقد كان بعض الصحابة يحفظ منها مالاً يحفظه الآخرون، وكذلك كان يستشير في فهم النصوص المحتملة لأكثر من معنى، لمعرفة المعاني والأوجه المختلفة، وفي هذين الأمرين قد يكتفي باستشارة الواحد أو العدد القليل، وأما في النوازل العامة فيجمع الصحابة، ويوسع النطاق ما استطاع كما فعل عند وقوع الطاعون بأرض الشام متوجها إليها.
وكانت مجالات الشورى في عهد عمر متعددة، منها في المجال الإداري والسياسي، كاختيار العمال والأمراء، والأمور العسكرية، ومنها في المسائل الشرعية المحضة، كالكشف في الحكم الشرعي من حيث الحل والحرمة والمسائل القضائية والذي نحب أن نؤكد عليه أن الخلافة الراشدة كانت قائمة على مبدأ الشورى المستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن في عهد عمر فلتة استنبطها ولا بدعة أتى بها، ولكنها قاعدة من قواعد المنهج الرباني .
ولقد اعتمد عمر رضي الله عنه مبدأ الشورى في دولته، فكان رضي الله عنه لا يستأثر بالأمر دون المسلمين ولا يستبد عليهم في شأن من الشؤون العامة، فإذا نزل به أمر لا يبرمه حتى يجمع المسلمين ويناقش الرأي معه فيه ويستشيرهم ومن أقوال عمر بن الخطاب في الشورى: لا خير في أمر أبرم من غير شورى. وقوله: الرأي الفرد كالخيط السحيل، والرأيان كالخيطين والمبرمين والثلاثة مرار لا يكاد ينتقض  قوله: شاور في أمرك من يخاف الله .
وكان يحث قادة حربه على الشورى، فعندما بعث أبا عبيد الثقفي لمحاربة الفرس بالعراق قاله له: أسمع وأطع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشركهم في الأمر وخاصة من كان منهم من أهل بدر وكان يكتب إلى قادته بالعراق بأمرهم أن يشاوروا في أمورهم العسكرية عمرو بن معد يكرب وطلحة الأسدي قائلاً: استشيروا واستعينوا في حربكم بطلحة الأسدي وعمرو بن معد يكرب ولا تولهما من الأمر شيئاً فإن كل صانع أعلم ببضاعته، وكتب إلى سعد بن أبي وقاص: وليكن عندك من العرب أول من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه وصدقه، فإن الكذوب لا ينفعك خبره وإن صدقك في بعضه، والغاش عين عليك وليس عيناً لك، ومما قاله عمر رضي الله عنه لعتبة بن غزوان حين وجهه إلى البصرة: قد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرشمة، ذو مجاهدة للعدو ومكايدة، فإذا قدم عليك فاستشره وقربه، وكان مسلك الفاروق في الشورى جميلاً: فإنه كان يستشير العامة أول أمره فيسمع منهم، ثم يجمع مشايخ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الرأي منهم، ثم يفضي إليهم بالأمر ويسألهم أن يخلصوا فيه إلى رأي محمود فما استقر عليه رأيه أمضاه، وعمله هذا يشبه الأنظمة الدستورية في كثير من الممالك النظامية، إذ بعرض الأمر على مجلس النواب مثلاً، ثم بعد أن يقرر بالأغلبية يعرض على مجلس آخر يسمى في بعضها مجلس الشيوخ وفي بعضها مجلس اللوردات، فإذا انتهى المجلس من تقريره أمضاه الملك وكثيراً ما كان عمر بن الخطاب يجتهد في الشيء ويبدي رأيه فيه ثم يأتي أضعف الناس فيبيَّن له وجه الصواب وقوة الدليل، فيقبله ويرجع عن خطأ ما رأى إلى الصواب ما استبان له.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق