Translate

السبت، 26 يناير 2013

الأصول والقواعد الشرعية تؤيد تطوير المؤسسة الشورية


إن الأصول والقواعد الشرعية تؤيد تطوير المؤسسة الشورية ومن هذه القواعد.
أ- تُحدَثُ للناس أقضية بقدرما أحدثوا من فجور:
هذه القاعدة وإن كانت بهذه الصيغة منسوبة للخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه, فإنها قاعدة معمول بها قبله وبعده عند الفقهاء والولاة والقضاة .
وإذا انتقلنا بهذه القاعدة إلى موضوع الشورى, فإن أفضل مثال أبدأ به هو ماذهب إليه عمر رضي الله عنه حين بلغه أن هناك من يتحين فرصة وفاته ليبادر إلى بيعة من يريد ويضع المسلمين أمام الأمر الواقع وأمام هذا التطلع الخطير لم يكتف عمر بالبيان والتحذير, ولا بالحكم ببطلان هذه البيعة, إذا تمت بغير مشورة من المسلمين بل هدد بالقتل لمن يبادر إليها ولمن يقبلها لنفسه, وهذا حكم لا وجود له ولا نظير له في الكتاب ولا في السنة, ومع ذلك لم ينكره أحد من الصحابة على عمر ولم يعترض عليه - فيما أعلم - أحد من العلماء إلى الآن فما سند هذا الحكم من عمر؟ إنها هذه القاعدة الجليلة تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور, وأي فجور أكبر من هذا التهور والاستخفاف والتلاعب بحق الأمة ومصيرها؟ فهذا أمر لا بد فيه من حكم رادع ومكافئ والعبرة التي نأخذها ليومنا وغدنا هي أن كل تطور في الناس وحياتهم ومجتمعهم وخاصة التطور السلبي, يحتاج إلى الاجتهاد المناسب والأحكام الملائمة وفق الأدلة الشرعية, ووفق قواعد التشريع ومقاصده لكي يتخذ من التدابير ومن النتظيمات ومن المؤسسات كل مايحفظ على المسلمين دينهم ومصالحهم, وما يمنع أو يدفع الفتن والانحرافات عنهم.
ب- قاعدة سد الذرائع:
وفي موضوع الشورى, نجد عمر أيضاً أول من استعمل سد الذرائع وذلك حين رفض استخلاف ولده عبد الله, وحتى حين أدخله للحضور مع الستة أصحاب الشورى اشترط ألا يكون له من الأمر شيء وإنما لمجرد الرأي والترجيح عند الاقتضاء وكذلك استبعد من هذا الأمر ابن عمه سعيد بن زيد رغم أنه من المبشرين بالجنة مثل الستة أصحاب الشورى, فعمر رضي الله عنه, كان يخشى إن يتولى بعده أحد قرابته, رغم أهليته أن يتخذ ذلك ذريعة لتوريث الخلافة, وجعلها دولة بين الآباء والأبناء والأجداد والأحفاد ومع هذا فإن المحذور حصل ولو بعد حين, ولو أن قاعدة سد الذرائع قد أعملت في مجال النظام السياسي ومؤسساته وتدبير شؤونه, لأغلقت الباب على كثير مما أصاب الممارسة السياسية في تاريخنا من التلاعب والتعطيل والتضليل والإفساد والاستبداد .
ج- المصالح المرسلة: وهذا أصل كبير من أصول التشريع الإسلامي, وهو يقوم على أساس أن الشريعة وأحكامها, إنما هي لمصلحة العباد في دينهم ودنياهم وأن مدار أحكامها على جلب ما فيه مصلحة حقيقية لهم ودرء ما فيه مفسدة حقيقية لهم, عاجلة أو آجلة  , كما يقول ابن القيم: فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد, وهي عدل كلها, ورحمه كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها, فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور, وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث, فليست من الشريعة, وإن أدخلت فيها بالتأويل ويمكننا اعتماد جميع التدابير والأحكام التي تحقق وتخدم الشورى, ومصلحة ممارسة الشورى, ومصلحة إقامة حياة شورية وعلاقات شورية, فكل ما يدخل في هذا الباب فهو واجب أو مندوب لأنه مصلحة مرسلة, فتحديد المستشارين, وتحديد شروطهم بدقة, ومراجعة هذا وذاك على فترات زمنية محددة, وتحديد مواعيد دورية للشورى, وتأسيس هيئات شورية متعددة, علمية وقضائية وسياسية وعسكرية ومالية والتحديد المسبق لمن يختارون الإمام.
وطريقة تشاورهم واختيارهم له وكذلك كيفية عزله وشروط ذلك, وجعل رواتب لأهل الشورى, إذا شغلهم ذلك عن مكاسبهم كل هذه وأشياء غيرها, تدخل في باب المصالح المرسلة التي يتعين الأخذ بها كلما دعت الحاجة إلى ذلك .
س: الاقتباس لما فيه مصلحة وخير:
كان المسلمون يقتبسون من غيرهم كل ما ينفعهم ويصلح لهم مما لا يتعارض مع دينهم, بل إن القرآن الكريم يعلمنا أن نقتبس ونستفيد حتى من غير الإنسان, فقد استفاد نبي الله سليمان عليه السلام من الهدهد وكان في ذلك فتح مبين وخير عميم قال تعالى: " فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ" (النمل , آية: 22) وكانت عاقبة هذا النبأ اليقين, هي إعلان الملكة بلقيس إيمانها وإسلامها مع كل ما يستتبع ذلك من تحول تاريخي في ملكها ومملكتها قال تعالى: " قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (النمل. آية: 44).
- كما قص علينا القرآن الكريم استفادة ولد آدم من الغراب ولومه لنفسه لأنه لم يهتد إلى ما اهتدى إليه الغراب قال تعالى: " فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ " (المائدة , آية: 30 - 31). فإذا كان هذا مع الهدهد والغراب , فكيف بنا مع الإنسان بكل ما وهبه الله من قدرات عقلية وفكرية, ومن قدرة على تطوير التجارب والخبرات, وبما هو مثبوت فيه وفي تاريخه من تراث الأنبياء وآثارهم ومن حكمة الحكماء وآرائهم .
- حفر الخندق:
وفي السيرة النبوية , لما اجتمعت الأحزاب - في غزوة الخندق على غزو المسلمين واستئصالهم , جاءت فكرة حفر الخندق حول المدينة , لمنع الجيوش الغازية من دخولها وهذا أسلوب كان يستعمله الفرس , وكان الذي أشار بذلك سلمان - فيما ذكر أصحاب المغازي - فقد قال لرسول الله صلى عليه وسلم: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا , فأمر النبي صلي الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة , وعمل فيه بنفسه .
ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعونا من فارس , ودعونا من أساليب المجوس المشركين .
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يكتب إلى ملوك زمانه ((قيصر , وكسرى والنجاشي)) قيل له: إنهم لا يقبلون كتاباً إلا بخاتم , فصاغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً حلقته فضة ونقش فيه ((محمد رسول الله)).
وفي صحيح مسلم , من نماذج هذا التوجه والانفتاح الحضاري والاستفادة من الشعوب الأخرى.
ما قاله المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس , فقال له عمرو: أبصر ما تقول: قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لئن قلت ذلك , فإن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة , وأسرعهم إفاقة عند مصيبة , وأُوشكهم كرة بعد فره , وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف , وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك  وكلها صفات مدح وثناء والدعوة إلى الاقتداء , وأقربها إلى دراستنا هذه الصفة الخامسة ((وأمنعهم من ظلم الملوك)) فالنهج الإسلامي الصحيح, جواز التأسي بكل من أحسن في إحسانه , وكل من أجاد في إجادته وكل من أصاب في إصابته , والميزان هو: ما يوافق الإسلام ويخدمه وما ينفع المسلمين ويخدم مصالحهم.
وعلى هذا الأساس صار الصحابة والخلفاء الراشدون , فاقتبسوا واستفادوا , بلا تحرج ولا تنطع والأمثلة كثيرة في هذا المجال .
لقد عرف العصر الحديث تطورات هائلة وتجارب غنية من النظم السياسية والإدارية وخاصة في مجال تشكيل المؤسسات المكلفة بتدبير الشؤون العامة وتسييرها ومجمل هذه التطورات والتجارب والأنماط التنظيمية يمكن دراستها والاستفادة منها وننظر في جدواها ونتائجها , ثم نأخذ منها كثيراً أو قليلاً واسوا سمي ذلك ديمقراطية أو أساليب ديمقراطية , أو اقتباساً ديمقراطياً , أو نهجاً ديمقراطياً , فالعبرة بالمسميات , لا بالأسماء وبالمعاني لا بالألفاظ وبالمحتويات لا بالمصطلحات , وبالمقاصد والجواهر لا بالوسائل والمظاهر , كما يقول ابن القيم: فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في الأقوال والأفعال .
- هل نستفيد من الديمقراطية:
إن الوسائل والموازين والطرق إنما تكتسب مشروعيتها وأهميتها ومكانتها من خلال ما تحققه وتفضي إليه.
قال ابن القيم: فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط , وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض فإذا ظهرت أمارات الحق , وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان , فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته أماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصودة إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط , فأي طريق استخرج به الحق ومعرفة العدل , وجب الحكم بموجبها ومقتضاها والطرق أسباب ووسائل لا تُرد لذواتها وإنما المراد غاياتها .
إن الأخذ من النظم الديمقراطية، أو الأخذ بالديمقراطية مع تهذيبها وترشيدها، وإنما هو من باب طلب الحكمة أنى وجدت وهو من باب السياسة الشرعية الرشيدة والسياسة الشرعية , كما يقول ابن عقيل - هي ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وإن لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نزل به وحي .
وحينما نقرر الاستفادة من التجارب والنظم الديمقراطية , فليس لأحد أن يقول لنا خذوا الديمقراطية جملة أو دعوها أو اقبلوا الديمقراطية على علاَّتها أو ((خذوا هذا النموذج بحذافيره)). أو ((خذوا الديمقراطية الغربية بحلوها ومرّها  لئن الديمقراطية عند أهلها إنما هي تجربة إنسانية قابلة للنقد والأخذ والعطاء وهم معترفون بأن فيها عيوب ونقائص وآفات.
* من آفات الديمقراطية:
فمن أكبر الآفات التي تعاني منها الديمقراطية اليوم، سيطرة أرباب المال على مقاليدها, بدءاً من السيطرة على المؤسسة السياسية بما يتبعها من مؤسسات متحكمة وموجهة ثم التحكم في تأسيس الأحزاب الكبرى وتمويلها ثم تمويل الحملات الانتخابية الباهظة التكاليف، بطرق قانونية وغير قانونية، ثم امتلاك وسائل الإعلام الكبرى والتحكم فيها وتوجيهها لصالح من يريدون، وضد من يريدون، وهكذا نصل في النهاية إلى أغلبية برلمانية تابعة للأقلية، أو نصل إلى حكومة الأقلية المسماة بحكومة الأغلبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق