Translate

الأربعاء، 9 يناير 2013

مشورة عثمان لولاة الأمصار


بعث عثمان رضي الله عنه إلى ولاة الأمصار واستدعاهم على عجل: عبد الله بن عامر، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن سعد، وأدخل معهم في المشورة سعيد بن العاص، وعمرو بن العاص وهم من الولاة السابقين وكانت جلسة مغلقة وخطيرة جرت فيها الأبحاث التالية التي تقرر خطة العمل الجديد على ضوء الأخبار المتناهية إلى المدينة عاصمة دولة الإسلام، قال عثمان: ويحكم ما هذه الشكاية؟ وما هذه الإذاعة؟ إني والله لخائف أن يكون مصدوقاً عليكم وما يعصب هذا إلا بي فقالوا له: ألم تبعث؟ ألم يرجع إليك الخبر عن القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلاً، وما كنت لتأخذ به أحداً فيضمنك على شيء، وما هي إلا إذاعة لا يحل الأخذ بها، ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا عليَّ فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصُنع في السر فيُلقي به غير ذي معرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم، ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبد الله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم، فإنه خير من أن تدعهم.
قال معاوية: قد وليتني فوليت قوماً لا يأتيك عنهم إلا الخير، والرجلان أعلم بناحيتها، قال: فما الرأي: قال: حسن الأدب، قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم، وتراضيت عنهم وزدتهم عما كان يضع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبك فتشد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين: إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شراً، واللين لمن يخلف الناس بالنصح وقد فرشتهما جميعاً اللين، وقام عثمان فحمد الله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتهم به عليّ قد سمعت ولكل أمر باب يؤتي منه، إن هذا الأمر الذي يخُاف على هذه الأمة كائن، وإن بابه الذي يُغلق عليه فيُكفكف به اللين والمؤاتاة والمتابعة، إلا في حدود الله تعالى ذكره، التي لا يستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدهما، فإن سده شيء فرفق، فذاك والله ليُفتحنَّ وليست لأحد على حجة حق وقد علم الله آني لم آل الناس خيراً، ولا نفسي والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس، وهبوا لهم حقوقهم، واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تُدِهنوا فيها.
كان عثمان بن عفان رضي الله عنه واضحاً صريحاً فيما لا هوادة فيه، وهي حدود الله فلا مداهنة فيها وما غير ذلك فالرفق أولى والمغفرة أفضل ولابد من تأدية الحقوق كلها وقد جاءت روايات بسند فيه ضعف ومجهولون تشوه العلاقة بين عمرو بن العاص وعثمان رضي الله عنهما، وساهمت روايات ساقطة في مسخ صورة عمرو بن العاص رضي الله عنه وتحويل علاقته بعثمان إلى علاقة فاتك خطط لقتل أميره، ثم عاد بانتهازية ليطالب بدمه، وهذه الرواية ضعيفة ومرفوضة عند أهل التاريخ وأهل الحديث.
وقد جاء في رواية بسند فيه ضعفاء ومجهولون أيضاً بأن عمرو بن العاص قال: يا عثمان: إنك قد ركبت الناس بمثل بني أمية فقلت وقالوا وزغت وزاغوا، فاعتدل أو اعتزل، فإن أبيت فاعتزم عزماً وأمضىِ قدما وجاء في نفس الرواية أن عبد الله بن عامر قال: أرى لك أن تجمرهم في هذه البعوث حتى يهم كل رجل منهم قمل فروة رأسه ودبر دابته وتشغلهم عن الإرجاف بك إن عثمان رضي الله عنه منع الولاة من التنكيل بمثيري الشغب، حبسهم أو قتلهم، وقرّر أن يعاملهم بالحسن واللين، وطلب من عماله أن يعودوا إلى أعمالهم، وفق ما أعلنه لهم من أسلوب مواجهة الفتنة التي كان كل بصير يرى أنها قادمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق